رحلـة الشتــاء (ح 4)
السبت, 01 سبتمبر 2012 09:44

في مخفر إدارة الشرطة بولاية نواكشوط

altما أقسى أن يسلب الإنسان حريته! خاصة إذا كان حقوقيا وشاعرا يعشق الحرية ويهوى الحياة! منذ لحظات "أيقظتني بلقيس"! قرأها بنشوة عارمة.. كان مسكونا بهمّ العراق الرازح تحت التهديد بالخسف الوشيك.. حلّق مع الشاعر العربي في أفلاكه يرصد عناق الشام والعراق، ويستشف الغد الزاهر البعيد! و"الآن.. هنا"! جاثم خلف القضبان كشاة في قبضة القصاب!

كان المكان غريبا عليه في شكله الجديد. كان يختلف كثيرا عن المبنى المتواضع الذي ارتاده في بداية السبعينيات، أحرى أن يشبه في شيء "أيروارة (قتادة) المزاگي" التي كانها أيام الاستقلال! كان آخر عهده به في سنة 73 حين استضافه، قبل أن يحال مع مجموعة من المعتقلين إلى معتقل مؤقت في "لكصر" ما لبث أن فر منه! وذلك قبيل تجهيز سجن"بيله" السياسي!

تذكر يوم اقتيد إلى تلك المفوضية لأول مرة في فاتح مايو 1971 من مهرجان لاتحاد العمال عقد في ملعب العاصمة الواقع قبالة دار الشباب القديمة. كانت التهمة ملفقة قصد بها اعتقاله ووقف نشاطه. اتهموه، وهو الذي ظل هادئا كالتمثال، بالاعتداء على أعوان السلطة أثناء ممارسة عملهم، بينما كان الأمر عبث أحد زملائه بحبال أجهزة تابعة للإذاعة، وقد تعاموا عن الفاعل الحقيقي وهو المهندس لام حمادي. لم يعترف بما نسب إليه، ولم يذكر زميله بسوء، رغم أنه رآه عيانا. لم تشفع له شهادة عامل الإذاعة المشرف على تلك الأجهزة السيد سيد أحمد بن التومي الذي كان شهما وأمينا، فشهد له، رغم كل الضغوط، بالبراءة من تلك التهمة. نال شهرا من الحبس من فم قاض فرنسي يدعى كاز؛ بينما دافع عنه في تلك المحاكمة الصورية الأستاذ أحمد كلي ولد الشيخ سيديا. وذلك بعد أن شارك هو في تدشين السجن المدني الحالي صحبة زعماء الحركة النقابية (المرحوم باه محمود، المصطفى بن بدر الدين، المصطفى ولد اعبيد الرحمن، أحمدو بن عبد القادر، محمدو الناجي بن محمد بن أحمد، محمذن بن باگا، المرحوم اباه بن حمديت.. وغيرهم) وبعد أن اشترك أيضا في أول إضراب غير محدود عن الطعام قاده بنجاح زعماء تلك الحركة، نقل خلاله مع آخرين إلى المستشفى.

تذكر الشكل المتواضع للمكان يومها، وبعض رجاله المتنفذين: محمد بن صنبه، سيدي بن إياهي، محمد الأمين بن اعبيد الرحمن، ولد آدّه! لقد أصبحوا جميعا أثرا بعد عين! لا أحد هنا يتذكرهم أو يعرفهم أصلا، وهم الذين كانوا يقيمون الدنيا ولا يقعدونها!

ورغم كون مآسي التعذيب التي تحدثت عنها أدبيات تلك الفترة، كقصائد الشاعر أحمدُ ولد عبد القادر "ليلة عند الدرك" و"رسالة إلى رفيق" وغيرها... دارت أحداثها أساسا في قيادة الدرك وسجن "بيله"، فإن للمفوضية المركزية سجلا غير ناصع في ذلك الميدان كتب "سطور أحرفه الحمقاء" كل أو جل تلك الأسماء!

* * *

طلب الاتصال بنقيب المحامين، وبذويه، فرفضوا ما أراد.. وبعد إلحاح وأخذ ورد، سمح له المفوض المسؤول بذلك! نزلا من الطابق إلى مكتب أرضي به هاتف ثابت. أدار المفوض القرص مشكلا رقما أملاه عليه، فأجاب أهله. طلب منه المفوض إملاء رسالة يوصلها إليهم، فألح هو في أن يباشر التبليغ.. قبل المفوض بعد تردد:

يتواصل

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع