| عندما تقف الإدارة والقضاء عقبة في وجه الإصلاح والتنمية |
| الأربعاء, 23 يناير 2013 18:50 |
|
قضية السيد محمد الأمين ولد الداده نموذجا
وعندما أطاح الرئيس محمد ولد عبد العزيز وصحبه بمؤامرة الردة على شرعية انتفاضة 3 أغسطس 05، وتولوا مقاليد السلطة، وأعلنوا أهدافهم الوطنية الإصلاحية، التحق بهم ولد الداده حارقا سفنه، ومنخرطا في أتون المعركة. وكان من حسن حظه وحظ السلطة الوطنية والفئات المهمشة المحرومة والمستضعفة التي سعت السلطة الجديدة إلى إسعافها وإنصافها، أن تقلد الرجل مفوضية حقوق الإنسان؛ فجاب جميع أنحاء البلاد، ودخل جميع القرى والأحياء الفقيرة والمدن حاملا معه الغذاء والماء والدواء والخيم والأمل والعمل. وكان لرأيه وعمله أثر كبير فيما حدث من انفراج وتغيير إيجابي وأمل في العدالة الاجتماعية في تلك المناطق التي كانت منسية ويائسة ومنكوبة. ومن مآثره أنه سنّ نمطا جديدا من التسيير تمثل في: ـ إطلاق يد مسؤولي الإدارات والمشاريع التي تُكَوِّنُ المفوضيةَ في إجراء عمليات الطلب، والمناقصة، وتحضير وتوقيع أوامر الدفع وشيكات الأداء بعد التحقق من الإنجاز على الأرض. ـ فَرْض الشفافية بإلزام توقيع ثالث من طرفه ـ بعد التأكد من سلامة العملية ـ يزكي توقيع مسؤول الإدارة أو المشروع ومحاسبه حرصا على المال العمومي؛ الشيء الذي وضع حدا للتسيب والنهب. ولكنه أثار سخط وغضب وفزع المحافظين على "النهج القديم" داخل المفوضية وخارجها، فأعلنوا الحرب على الوافد الجديد غير المرغوب فيه، وعملوا على خلعه وإذلاله. فبينما كانت المفوضية في أوج إنجازاتها وعطائها، أخضعت فجأة لـ"تفتيشين" متوازيين ومنحازين نفذتهما كل من مفتشية الدولة ومحكمة الحسابات "توصلا" -حسب ما ورد في تقريريهما- إلى استنتاجات هشة ومتضاربة وظاهرة الفساد حتى في أبسط العمليات الحسابية؛ ناهيك عن تهافت مقدماتهما وركاكة لغتهما. وقبل أن تخضع أقوال "المفتشين" للتمحيص ويرجع فيها لرقابة وتقدير القضاء بشقيه (خاصة محكمة الحسابات) بغية التأكد أو عدمه من نهوض مسؤولية موظف سام في ارتكاب عمل يجرمه القانون، قامت النيابة باعتقال مفوض حقوق الإنسان واتهامه -دون غيره من المسيرين المباشرين- باختلاس المال العام. وتمت إحالته إلى السجن، حيث ظل قابعا حتى بعد انقضاء فترة حبسه الاحتياطي القانونية، وخضع لألوان متعددة ومتعمدة من الحيف والظلم، نذكر منها -على سبيل المثال لا الحصر- ما يلي: * رفضت النيابة العامة رفضا باتا توجيه الاتهام إلى أي من مسؤولي المفوضية الذين أثبتت محاضر البحث الابتدائي ضلوع بعضهم، وأمرت وكالةَ الجمهورية بحصر الاتهام في ولد الداده وحده، لحد أن عبارة "وكل من يكشف عنه التحقيق" التي ترد في كل طلب فتح تحقيق اختفت بوعي وبسابق إصرار من طلب التحقيق الموجه من طرف النيابة إلى قاضي التحقيق في الموضوع. * عندما قاد التحقيق إلى مسؤولية بعض أركان المفوضية ومورديها، ووجّه إليهم قاضي التحقيق إنذارات بدفع أزيد من 220 مليونا من أصل 270 مليونا التي اتهم بها ولد الداده ظلما، وامتثل بعضهم فورا فدفعوا للخزينة العامة نحو أربعين (40) مليونا. أمرت المحكمة العليا غرفة الاتهام باختطاف الملف فورا، دون أن يكون لها عليه سلطان، وإبطال جميع إنذارات الدفع، إضرارا بالخزينة العامة. وقد امتثلت غرفة الاتهام؛ بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين أقدم قضاتها أنفسهم على إتلاف الإنذارات، دون أن يصدر أمر بذلك، وفي غياب كتابة الضبط وإعداد محضر. * لما عقب كل من المتهم والنيابة ووزارة المالية قرار غرفة الاتهام الغريب، ووقفوا جميعا -على غير عادتهم- في خندق واحد ضد خرق القانون. رفضت المحكمة العليا جميع تعقيباتهم جملة وتفصيلا، وأكدت قرار غرفة الاتهام؛ مكرسة بذلك حماية الموردين، وإعفاءهم من مسؤوليتهم عن الفوترة الباهظة؛ تلك المسؤولية التي تنص عليها وتكرسها المواد 60، 61، 63 من المرسوم رقم 08/2002 المنظم للصفقات! * ظلت محكمة الحسابات صامتة، والملف ينام في دُرْجها. * وانقضت مدة الحبس الاحتياطي الذي يسمح به القانون في حق المتهم، دون أن تتم إحالته إلى أية محكمة. وفي هذه الحالة ينص القانون على وجوب إطلاق سراحه فورا. ولكن النيابة رفضت تطبيق النصوص القانونية الصريحة الآمرة؛ متعللة تارة بأن الإشعار بنهاية التحقيق يشكل أمر إحالة! ولاجئة تارة أخرى إلى اتهام ولد الداده بالحرابة التي يتجاوز الحبس الاحتياطي فيها السنتين المنصرمتين. وكلا الحجتين داحضة. * وأمام المحكمة الجنائية تهاوت جميع حجج النيابة الموجودة طي الملف، فتعين الحكم ببراءة المتهم. ولكن المحكمة أدانته بأدلة جلبتها النيابة آخر الليل بعد ختم المرافعات من محكمة الحسابات في شكل إنذار بدفع! * وبدورها ظلت نيابة محكمة الاستئناف تؤجل جدولة القضية وتماطل!
وهكذا سدت جميع أبواب العدل والإنصاف في وجه الرجل المريض الذي ظل رهن السجن قرابة ثلاث سنوات! ... وأخيرا فتح "باب خلفي" حَشَرَ الرجلَ في الزاوية الخطأ التي كان أبعد ما يكون عنها، حين دفع فيه ذووه فدية مالية متفاوضا عليها قدرها تسعة ملايين (9000000) أوقية! وبهذه الحصيلة المرة نجحت أَيْدٍ في النظام في تحطيم مناضل شعبي وزعيم وطني مثـّل -رغم نواقص الإنسان- الإصلاح والأمل في "مثلث الأمل" خاصة وفي الوطن عامة، وباعت حطامه بثمن بخس دراهم معدودة لأهله معفى من الخدمة (Réformé) ومتهما! فهل سيستسلم الرجل لهذا المصير البائس المعطىويتقبل انكسار حلمه؟ وهل كان السيد رئيس الجمهورية على علم بتفاصيل هذه المؤامرة التي تشكل أبرز مثال لمحاربة "محاربة الفساد" في عهده الوطني؟ |
