في معنى العروبة (2/ 2)
الثلاثاء, 01 نوفمبر 2016 07:31

 

زياد حافظ    

الأمين العام للمؤتمر القومي العربي

altوإذا سئلنا عن علاقة العروبة بالإسلام فالإجابة سهلة. العروبة هوية والإسلام روح لها بما أن أكثرية العرب من المسلمين. كما أن الإسلام بشكل عام والقرآن بشكل خاص لا يُفهم إلاّ بعد إتقان اللسان العربي. فعبر العروبة يُفهم الإسلام وعبر الإسلام يتم اكتشاف العروبة. في نظرنا، ووفقا لقراءتنا للقرآن الكريم، فإن الإسلام بمعناه الواسع هو الإيمان بالله، وبملائكة، وكتبه، ورسله، دون التفريق بينهم، كما جاء في سورة البقرة (285). لذلك فإن اليهودية والنصرانية فرق من الإسلام حيث الله هو واحد وهو على كل شيء قدير، وإن اختلفت الطقوس. وهذا التوضيح يساعد في فهم العروبة كهوية جامعة لكل مكوّنات الأمة وإن حاول البعض وأعداء الأمة إيجاد الشرخ عبر تفسيرات خاطئة في رأينا.

ولا بد لنا من أن نتوقف على ما أتى به مؤسس حزب البعث الأستاذ ميشال عفلق، في مقاربة له عنوانها "ذكرى الرسول العربي" يوضح فيها العلاقة بين العروبة والإسلام. نقتبس بعض الجمل التي تفيض عما أتينا به أعلاه. يقول الأستاذ عفلق إن حركة الإسلام "صورة صادقة ورمز كامل خالد لطبيعة النفس العربية وممكناتها الغنية واتجاهها الأصيل فيصح لذلك اعتبارها ممكنة التجدّد دوما في روحها لا في شكلها وحروفها. فالإسلام هو الهزّة الحيوية التي تحرّك كامن القوى في الأمة العربية فتجيّش بالحياة الحارة، جارفة سدود وقيود الاصطلاح، مرجعة اتصالها مرّة جديدة بمعاني الكون العميقة، ويأخذها العجب والحماسة فتنشأ تعبّر عن إعجابها وحماستها بألفاظ جديدة وأعمال مجيدة، ولا تعود من نشوتها قادرة على التزام حدودها الذاتية، فتفيض على الأمم الأخرى فكرا وعملا، وتبلغ هكذا الشمول. فالعرب عرفوا بواسطة هذه التجربة الأخلاقية العصيّة كيف يتمرّدون على واقعهم وينقسمون على أنفسهم، في سبيل تجاوزها إلى مرحلة يحققون بها وحدة عليا، وبلوا فيها نفوسهم ليستكشفوا ممكناتها ويعزّزوا فضاءها". ثم يضيف أن "هذه التجربة ليست حادثا تاريخيا يُذكر للعبرة والفخر؛ بل هي استعداد دائم في الأمة العربية - إذا فهم الإسلام على حقيقته- لكي تهبّ في كل وقت تسيطر فيها المادة على الروح، والمظهر على الجوهر، فتنقسم على نفسها لتصل إلى الوحدة العليا والانسجام السليم، وهي تجربة لتقوية أخلاقها كلما لانت وتعميق نفوسها كلّما طفت على السطح، تتكرّر في ملحمة الإسلام البطولية بكل فصولها من تبشير واضطهاد وهجرة وحرب، ونصر وفشل، إلى أن تختم بالظفر النهائي للحق والإيمان".

ليت الذين يعتبرون أنفسهم عروبيين ويتساءلون عن علاقة العروبة بالإسلام قراءة "ذكرى الرسول العربي".

وللعروبة مسارات كانت القومية العربية إحدى محطّاتها المنيرة. فما هي القومية العربية؟  إذا لجأت إلى المحرّك البحثي على الشبكة العنكبوتية تجد سيلا من التعريفات والاجتهادات يختلط فيها الحابل بالنابل من تعريفات غير دقيقة وسطحية، ما يدّل إما على جهل أو على تجهيل متعمّد. وقد تكمن هنا مسؤوليتنا - كعروبيين ملتزمين- في عدم التصدّي لذلك التجهيل. لسنا في إطار سرد هذه التعريفات لضيق المساحة أولا، ولأن معظمها لا يستحق التوقّف عندها. نكتفي بالتوضيح أن القومية العربية محطة أساسية في مسارات العروبة كما أوضحها المؤرّخ الدكتور يوسف شويري "لأن مصطلح المسارات يعطي تصوّرا أرحب لسيرورة العروبة في مراحلها المختلفة، بما فيها القومية العربية ما بين 1940 و1970".

ليس هدفنا هنا سرد جذور وتاريخ القومية العربية. فهي - كما ذكرنا- محطة في مسارات العروبة. وهذه المحطة هي التعبير عن نهج سياسي كان - وما زال- جوهره حركة تحرّرية من الاستعمار الغربي وردّة فعل على محاولات طمس الهوية؛ سواء أجاءت من النخب العثمانية الحاكمة في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أم من المستعمر الأوروبي.

الحركة التحرّرية التي تجسّدها القومية العربية كما عرّفناها آنفا حملتها نخب مدنية وعسكرية إلى السلطة. تحالف قوى الاستعمار القديم والصهيونية والرجعية العربية في الربع الثالث من القرن العشرين، واليوم من الامبريالية والعولمة النيوليبرالية والدول العربية الداعمة للقوى المتشدّدة المتعصّبة الظلامية، فاستطاعت إيقاف دفع الحركة التحرّرية القومية واستبدال الخطاب الظلامي الذي يغذّي الغرائز والعصبيات المذهبية تحت صورة مشوّهة للإسلام بالخطاب التحرّري القومي الذي كان سائدا آنذاك. هذا النجاح الذي حققه ذلك التحالف استفاد من أخطاء الحكّام، والنخب التي كانت تدور في فلكهم، ممن اعتبروا أنفسهم ممثلين للحركة التحررية. لا نستطيع في إطار هذا التقديم مقاربة الأخطاء لضيق المساحة، ولكن نكتفي بأن الجنوح إلى الصراع على السلطة، والابتعاد عن الأهداف القومية في تحقيق الوحدة وتحرير فلسطين، واتباع النهج الإقصائي لكل من يخالف رأي الفئة الحاكمة، أوجد الانقسام المجتمعي الذي سمح للتحالف الدولي والإقليمي المعادي للأمة بالتسلّل وضرب الحركة التحرّرية.

ونضيف طبعا أن موازين القوة الدولية والإقليمية لم تكن لصالح الحركة التحرّرية العربية. فكان ما وصلنا إليه دون القضاء على الحركة التحرّرية كلّيا، التي تشهد مجدّدا حراكا متناميا يوما بعد يوم.. خاصة بعد اتضاح النتائج الكارثية للخطاب الفتنوي التدميري.

حركة الانحدار بدأت مع رحيل القائد خالد الذكر جمال عبد الناصر؛ فالثورة المضادة استفادت من إمكانيات مالية ضخمة أوجدتها الطفرة النفطية وارتفاع أسعار النفط؛ مما سمح بترويج خطاب إقصائي ممنهج عبر السيطرة على المساجد في مواجهة "الإلحاد" الذي شكلّته الحركة التحرّرية القومية. وصلت حملة الردّة ذروتها في تبرير احتلال العراق وتدميره، وفيما بعد تدمير ليبيا وسورية واليمن والبحرين وتهديد مصر ولبنان والجزائر.

ضخامة التدمير في هذه الأقطار والخطاب السياسي الإقصائي الذي نظّر له أوجدت ردّة فعل على عبثية الخطاب الإقصائي الديني والمشاريع الظلامية التي يحمله أرباب وروّاد التعصّب والغلو والتوحّش، إضافة لارتباطه بأجندات الاستخبارات الغربية والصهيونية. نشهد الآن نوعا من الصحوة تطالب بالعودة إلى العروبة التي تجمع ولا تقصي أحدا وإلى مشروعها النهضوي العربي.

فالعروبة تتمحور حول ذلك المشروع، كما ذكرنا أعلاه بشكل مختصر، بأبعاده الستة؛ أي الوحدة في مواجهة التجزئة، والمشاركة الشعبية في مواجهة الاستبداد، والاستقلال الوطني في مواجهة التبعية، والتنمية في مواجهة التخلّف، والعدالة الاجتماعية في مواجهة الفجوات بين مكوّنات المجتمع، والتجدّد الحضاري في مواجهة التغريب والأسر للماضي. وتعود لمركز دراسات الوحدة العربية مسؤولية نشر ذلك المشروع عام 2010 كما تعود للمؤتمر القومي العربي وأعضائه مهمة ترويجه في مختلف الأوساط والمنابر. هذا وقد ساهم في صوغ المشروع مفكّرون وباحثون وناشطون ينتمون لمختلف التيّارات السياسية، منها التيّار القومي العربي وسلالاته التقليدية (من ناصريين وبعثيين وحركيين قوميين عرب) ومن التيّارات الإسلامية المتنوّعة، ومن اليساريين، ومن الليبراليين.

لذلك فالعروبي اليوم يحمل هم جميع أبناء الأمة، ويعتبر نفسه مسؤولا عن جميع مكوّنات الأمة. وحرص العروبي على التنوّع القائم بين مكوّنات الأمة يميّزه عن سائر المشاريع التي تنادي بأحادية العرق أو الطائفة أو المذهب أو المنبت السياسي. وبالتالي لا يمكن لثقافة العروبة إلاّ أن تكون ثقافة حوارية بعيدة عن ثقافة الإقصاء كما يقول الأستاذ معن بشور. لذلك لا مكان لأي نوع من التمييز؛ ناهيك عن العنصرية.

على تلك القاعدة، نعتقد أن مسألة الأقلّيات القومية الموجودة في الوطن العربي تُحَلّ على قاعدة الاعتراف بحقوقها القومية وعلى قاعدة التكامل مع الأكثرية العربية بما يصون الأمن القومي لكل المكوّنات العربية وغير العربية؛ وخاصة في مواجهة أطماع الامبريالية والصهيونية أو أي جهة أخرى. فالقوميات الفرعية كالقومية السورية والقومية اللبنانية - على سبيل المثال- لا تتناقض مع العروبة؛ بل تتكامل معها. لذلك كان المؤتمر القومي العربي - وما زال- الإطار المناسب لجمع هؤلاء العروبيين من كافة المكوّنات للتفاعل والتفاهم. فالتنوّع هو سمة ثقافة المؤتمر القومي العربي الذي يعكس - في رأينا- مزاج الأمة.

أطماع الرئيس التركي الواضحة والمعلنة في أجزاء من سورية والعراق ستشكّل حافزا إضافيا لوحدة الصف بين بلاد الشام وبلاد الرافدين، ومدعومة من دول وادي النيل والجزيرة العربية والمغرب العربي. فإذا تحقّقت أطماع الرئيس التركي الذي - على ما يبدو- لا يكترث للعرب، فإن مصير كل قطر عربي يصبح قاب قوسين. كذلك الأمر لبعض التصريحات غير المسؤولة الصادرة من طهران؛ والتي رفضناها وما زلنا نرفضها، التي تحاول إيحاء أن بغداد عاصمة أخرى لإيران في العراق. فهي تدلّ على ذهنية لا تريد التفاعل الإيجابي مع العربي بشكل عام، والعراقي العربي بشكل خاص، ولا تكترث بالشعور عند مجمل العروبيين. غير أننا كنّا - وما زلنا- ننادي بتشكيل الكتلة التاريخية بين العرب والأتراك والإيرانيين على قاعدة الندّية والتكامل والاحترام المتبادل، وليس على قاعدة القوامة والتنافس.

الحل لحال التجزئة التي نعيش والحروب التي تدمّرنا هو في وحدة الأمة العربية وإقامة دولة الوحدة؛ ففي الوحدة قوة وصون حقوق جميع مكوّنات الأمة وصنع الاستقرار وإقامة مجتمع الكفاية والعدل وتكافؤ الفرص. فهل من يعتبر؟

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 9 زوار  على الموقع