دفاعا عن الوحدة الوطنية المهدورة * (ح 2)
الثلاثاء, 27 مارس 2012 17:36

 

2.   بطلان دعوى وجود العبودية في موريتانيا؟  

    alt سيدي الرئيس،

     السادة أعضاء المحكمة الموقرة،

غداة الخطاب الشهير الذي ألقاه الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله حول العبودية، والذي اعترف فيه على رؤوس الأشهاد ـ ضمن صفقة انتخابية معروفة ـ بوجود العبودية في موريتانيا، جرى حوار طرشان مشهود على شاشة قناة الجزيرة بين اثنين من "أغلبيته" المتنافرة:أصرت فيه هي (من "المستقلين") على نفي ما انعقد "إجماعـ"هم على وجوده وشجبـه، و"اعترف" بـه رئيس الجمهورية على رؤوس الأشهاد! بينما أقسم هو (من "التحالف الشعبي") جهد أيمانـه على انتشار ظاهرة الرق، دون أن يحدد أمكنة وجوده وتجلياتـه، أو يقدم إحصاء - ولو غير دقيق - لمن يعانون منـه! فأيقنت يومها أن ورقة "العبودية" ستكون في مقدمة الأوراق المشبوهة التي يجري حشدها وشحذها لقهر وابتزاز حركة الإصلاح والتغيير الخجولة التي تفجرت فجأة في بلادنا قبل غيرها من بلدان منظومة العولمة؛ فكتبت ـ يومها ـ سلسلة مقالات حول الموضوع أقتطف لكم منها اليوم ما يلي لدخوله في صلب النزاع:

هل توجد عبودية في موريتانيا؟

إن الجواب على هذا السؤال بالنفي يتطلب شجاعة كبيرة وصمودا في وجه تيار الباطل. وليس ذلك لكون الرق – كرق - ينتشر حولنا، ويحاصرنا في كل مكان؛ بل لأن ثلاثة من رؤساء موريتانيا حكموها نحو ثلاثة عقود، كانوا قد أعلنوا "طواعية" وعلى رؤوس الأشهاد وجود "العبودية" في بلادهم؛ ولأن منظمات "حقوقية" موريتانية وجيهة في الغرب، تتبنى ذلك الطرح علنا، وقد يتخذه بعضها أصلا تجاريا مثمرا؛ ولأن "وجود العبودية" في بلد مسلم كموريتانيا يخدم مصلحة "العالم الحر المتمدن" الذي يتخذه:

- أداة لتفرقة الموريتانيين، عملا بـ"إنجيل الاستعمار المقدس" (فرق تسد!) وما يد الموساد من ذلك ببعيد!

- وسيلة دعائية، ضد الإسلام الذي يخلعون عليه – بسخاء - جبة التخلف، وانتـهاك حقوق الإنسان؛ بينما يتقمصون هم - دونما حياء - بدلة المحرر المتمدن الراقي!

- ملهاة، تضلل الرأي العام وتشغله بالأوهام عن ممارسة الواقع، والتعامل معه بوعي، بغية تغييره!

- شماعة تعلق عليها أوزار السياسة الاستعمارية، حتى تكون "العبودية" هي المسؤولة عن معاناة الإنسان الموريتاني، وليس السياسات الاستعمارية؛ القديمة منـها والجديدة!

ورغم ذلك كله، فإن الواقع يثبت أن العبودية التي هي: "أن يَعْبُد الإنسان عبودا وعبودية" أي أن يكون: "مُلِكَ هو وآباؤه من قبْلُ(المنجد، ص 483).

أو التي "... هي وضع يكون فيه الفرد مملوكا من طرف سيّد يستطيع أن يفعل بـه ما يشاء كما لو كان شيئا يملكه" (حسب تعريف موسوعة بورداس ص 1700)

Esclavage:condition d' un individu dont un maître peut disposer à son gré comme d’ une chose (ENCYCLOPEDIE BORDAS P 1700).

(أو التي هي "ممارسة أي من السلطات المترتبة على حق الملكية، أو هذه السلطات جميعا، على شخص ما فأكثر" حسب تعريف المادة 2 من قانون "تجريم العبودية الموريتاني" اللاحق) لم تعد موجودة على الإطلاق في موريتانيا منذ سني الاستقلال الأولى. وقد اختفت آثارها ومخلفاتـها التحتية، تدريجيا، خلال الستينيات والسبعينيات!

وإذا كانت أوساط معينة في بعض المنظمات "الحقوقية" تدعي خلاف ذلك، وتحتج بحالات فردية مما تسميه "رقا منزليا" تُعدّ على أصابع اليد زعمت أنها أحصتـها على عموم التراب الوطني، فإننا، وإن كنا نعتقد أن وجود حالة عبودية حقيقية واحدة يشكل وصمة عار في جبين موريتانيا كلها، وجريمة شنعاء ضد الإنسانية تجب معاقبتها وقمعها.. لنشكك، من منطلق معرفتنا بحقيقة هذا الميدان، وبدوافع بعض المدّعِين، في وجود تلك الحالات" (انظروا ص191 وما بعدها من أزمة الحكم في موريتانيا الذي أقدم لكم منه هذه النسخة).

إن الأمر إذن ـ في جوهره ـ تعبير عن جمود بعض المناضلين المخضرمين الذين عاشوا على شعارات محاربة الرق أيام كانت توجد منه بقايا معتبرة في مجتمعنا، والذين لم يستطيعوا بعدُ التكيّف مع واقع زواله، ولا استيعابَ المهمات التي تطرحها والشعارات التي ترفعها مراحل التطور الاجتماعي اللاحقة، فالتبست عليهم العبودية مع بعض مخلفاتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي ما تزال قائمة في بعض الفئات، ومع ما تعانيه أجزاء أخرى من فئة الحراطين الأحرار من بؤس وتهميش وإقصاء وحيف؛ وهي معاناة لا يرجع سببها إلى العبودية وحدها، لأن معظم هؤلاء لم يخضع لرق قط، بل يرجع إلى تدهور الاقتصاد الريفي بسبب تراجع قيم التبادل (La détérioration de termes de l’échange) والإهمال، وانهيار وسائل الإنتاج التي كانوا يعيشون عليها، واستشراء الفساد والاستبداد في البلاد. وقد نما على هامش تلك النوعية النادرة من المناضلين الشرفاء تيار منظم ذو مآرب وعلاقات أخرى. وهذا التيار هم من يقومون اليوم بترويج ورقة "العبودية في موريتانيا"، ويجهدون أنفسهم في تلفيق نماذج من "الاسترقاق" ـ كالتي نحن بصدد دحضها ـ يبررون بها وجودهم وينعشون بها استثمارهم البائر، حتى ولو كانت من قبيل ملهاة "الرق المنزلي"! وهم من يقودون حملة الكراهية العنصرية المسعورة ضد البيظان، ويتحالفون حتى مع الشيطان ضد الوطن! ناهيك عن لعِب قوى سياسية داخلية وخارجية لهذه الورقة.

لقد نجحوا بالأمس في تفصيل قانون على مقاسهم، في ظل المساومات الانتخابية الهزيلة، وخلال لحظة من لحظات ضعف وغياب الدولة. وهاهم اليوم "يفعّلون" ذلك القانون، مستغلين الظرف الانتقالي الذي نمر به، والمتسم، إلى جانب انشغال السلطة والناس بأمور أهم، باتساع جو الحرية والتسامح والانفتاح لحد الضعف، اتجاه هذا النوع من المشاريع الهدامة، والعجز عن مواجهته مواجهة فعالة وحاسمة.

إنها فتنة أبرمت بليل  من بين أهدافها الكبرى:

·         تقويض وحدة البيظان وبث الكراهية والشقاق بين مكونات مجتمعهم المنسجم المتراص بقوة الدين واللغة والتاريخ والأرحاموالتكامل والتكافل الاجتماعي. وإلا لما اقتصر نشاط "صيادي العبيد" المشبوه على الصيد في مجتمع البيظان دون غيرهم، وعلى تأليب غير البيظان على البيظان!

·         تحريف تاريخ البلاد والعباد بغية تشويه سمعة البيظان، الذين هم لُحْمة هذا البلد ودعامته الأساسية. ولا يتجلى استهداف البيظان في محاولة إلصاق وصمة عار الاسترقاق بهم في القرن الواحد والعشرين، وشن حملة كراهية عنصرية ضدهم فحسب؛ بل وفي العمل على تقويض وحدتهم وهدم مقدساتهم ورموزهم عن طريق الحملات المغرضة على الإسلام، والمذهب المالكي، وكافة الأئمة والقادة والزعماء البيظان بمن فيهم الرئيس مسعود ولد بلخير!

·         دك أسس الدولة، عن طريق إثارة الاضطرابات والفتن وتهديد السلم الاجتماعي، وتخريب الوحدة الوطنية، وتفكيك وحدة الجيش، الذي هو حامي حمى الوطن والدولة والشعب. أولم يوجهوا نداء إلى الجيش الموريتاني وهو في ذروة مواجهة التهديدات الإرهابية، يطلبون فيها من بعض أفراده الاستقالة الجماعية على أساس فئوي مزعوم!

·         ترسيخ وتعميق شرخ التفاوت والتغابن، وذلك بطمس القضية الكبرى: قضية تهميش الحراطينالتي تتطلب حلولا عاجلة وعادلة، وصرف النظر عنها إلى الانشغال بعبودية وهمية لا وجود لها إلا في أذهان "العاملين عليها"!

·         نبذ التعاون والتكافل الاجتماعي، وبذر التفرقة والشقاق بين المواطنين، وإضعاف اللحمة الوطنية!

·         شل العمالة الوطنية، ورفد طوابير العاطلين بالمزيد من الأيدي الفارغة والأفواه الفاغرة والجموع الهائجة، وإكراه الفتيات على البغاء والتشرد والتسول، وفتح الباب واسعا أمام العمالة الأجنبية بكل ما تحمله من خير وشر.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* هذه مرافعة في القضية أرقام النيابة 363/011 و364/011 و365/011 الملحقة بجدول دورة المحكمة الجنائية بولاية نواكشوط جلسة يوم الأربعاء 13/4/011. وهي ليست مقالا أو بحثا تحليليا يناقش موضوع "صيادي العبيد". فالرجاء وضع خصوصية المرافعة في الاعتبار، إذ لها أسلوبها ولغتها وآلياتها الخاصة.

 

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع