رحلة الشتاء (ح 14)
الخميس, 31 يناير 2013 18:11

 

رسالــة بو امديد

 

alt  "إلى العمل". قال لزملائه في المحنة!

ما هو الهدف الذي تتوخاه أنظمة القمع من الخطف والسجن والنفي؟ إنه قهر الإنسان الواعي وإلغاؤه ومنعه من الفعل والتأثير حتى يذعن، ويركن إلى العجز والإحباط، ويتخلى عن مثله وأحلامه، ويكون عبرة للآخرين!

        من هنا كانوا أمام أمرين: الاستسلام لما حل بهم وانتظار الفرج. أو مقاومة القمع والبغي

 بالسلاح الوحيد المتوفر لديهم: الكلمة. وقد اختاروا المقاومة. وبدأ تحرير بيان الرفض، أو ما عرف لاحقا برسالة بو امديد. وبعد تحرير الرسالة وإعدادها في نسختين عربية بخطه وفرنسية بخط الرئيس أحمد بن داداه، أرسلوا في طلب السيد الحاكم وقدموها إليه، وهذا نصها العربي:

"بسم الله الرحمن الرحيم

إلى السيد حاكم مقاطعة بو امديد المحترم،

السيد الحاكم،

نحن الموقعين أسفله نلتمس من فضلكم أن ترفعوا إلى الحكومة ما يلي:

أولا: احتجاجنا الشديد على عملية الاختطاف الوحشية التي تعرضنا لها مساء الأربعاء 16/12/1998 إثر مهرجان شرعي سلمي، والتي آلت بعد حجز تعسفي دام ليلتين في زنزانات الشرطة السياسية في نواكشوط إلى نفينا في ظروف غامضة ظالمة فاقت في قسوتها ممارسات العهد الاستثنائي الممقوتة (رغم خطورة حالة بعضنا الصحية التي تمت معاينتها من طرف الطب الرسمي) ثم احتجازنا في بيت كبيت العنكبوت في ضواحي بو امديد، التي تبعد أكثر من 700 كم في أعماق الصحراء، تحت الحراسة المشددة وقعقعة السلاح، مع المنع المطلق من كافة الحقوق بما فيها الاتصال بالأهل والاستماع إلى الإذاعة وممارسة الرياضة. كل ذلك دون أن توجه إلينا أية تهمة، أو نمكن من الدفاع عن أنفسنا، أو يتعهد بنا قضاء، أو يبلغ إلينا أي قرار قضائي أو إداري فنمارس فيه حق الطعن؛ الشيء الذي يشكل خرقا فاضحا للإعلان الدولي لحقوق الإنسان في مواده 3، 5، 6، 8، 10، 11، 12، 19، وخاصة المادة 9 التي تقول بالحرف الواحد "لا يمكن توقيف أي فرد أو اعتقاله أو نفيه تعسفا" كما يشكل كذلك خرقا أفضح لجميع الحريات التي أعلنها وضمنها دستور 20 يوليو 1991 وخاصة مادته 10، ولجميع القوانين المعمول بها في البلاد.

ثانيا: مطالبتنا بإنهاء اختطافنا، وتحديد مركزنا القانوني، وذلك إما بإطلاق سراحنا فورا، أو بتقديمنا إلى العدالة.

ثالثا: في انتظار ذلك نطالب بتوفير مسكن لائق، ورقابة صحية فعالة ودائمة، والاتصال الدائم بأهلنا ومحامينا وغيرهم دون أي تقييد، وبحقنا في الإعلام: راديو صحف، كتب.. الخ.

الموقعون:

- أحمد بن داداه، رئيس حزب اتحاد القوى الديموقراطية ـ عهد جديد، ورئيس جبهة أحزاب المعارضة.

- محمذن بن باباه، عضو اللجنة الدائمة لحزب اتحاد القوى الديموقراطية ـ عهد جديد.

- ذ. محمدن بن إشدو، عضو هيئة المحامين الموريتانيين، عضو الاتحاد الدولي للمحامين، عضو المؤتمر الدولي لهيئات المحامين، عضو اتحاد المحامين العرب، عضو اتحاد محامي البحر الأبيض المتوسط.

التوزيع:

المفوضية العليا المكلفة بحقوق الإنسان،

جبهة أحزاب المعارضة،

- الهيئة الوطنية للمحامين،

- الفدرالية الموريتانية لحقوق الإنسان،

جردس موريتانيا،

- المنظمة العربية لحقوق الإنسان،

- اتحاد المحامين العرب،

- المنظمة الإفريقية لحقوق الإنسان،

- الاتحاد الدولي للمحامين،

- المؤتمر الدولي لهيئات المحامين،

- مؤتمر محامي البحر الأبيض المتوسط،

- المنظمة الدولية للحقوقيين،

- المنظمة الدولية لحقوق الإنسان (الأمم المتحدة)

- الاتحادية الدولية لحقوق الإنسان،

منظمة العفو الدولية،

- محامون بلا حدود،

- أمريكا ووتش، مؤسسة كارتر،

- منظمة مراقبة السجون.

وقد وعد الحاكم بإبلاغ الرسالة، وبعمل ما في وسعه. وقد أعطى الأوامر بتسقيف الحمام، ووعد بتوفير اللبن وغسل الثياب.

ولم يكتفوا بذلك طبعا؛ بل عملوا على فك الحصار وإيجاد وسيلة آمنة لإسماع صوتهم وإيصال الرسالة إلى نواكشوط. وقد تم لهم ما أرادوا! فما إن وصل إليهم الزوار الأُوَل، حتى كانت رسالة بو امديد قد خرجت من السجن في طريقها إلى الحرية، وذلك بعد سبعة أيام من كتابتها!

يوم 23/12/1998

كان الرقيب أول من دخل عليهم هذا الصباح! ورغم أن "شخصه" غير مرغوب فيه كثيرا لديهم، فإنه حمل معه ما يشفع له هذه المرة: أمتعة قادمة من نواكشوط! مع من؟ ولمن؟ لا يذكر الرقيب شيئا من ذلك!

فتحوا الأمتعة فوجدوها من أهله. احتوت بعض ملابسه، وأدوات حلاقته واستحمامه، وعطره الذي لم يصل منه إلا القليل، وكذلك الحليب والفاكهة. أما التمر فقد وصل جله. ادعى الرقيب في ترهاته أنه لا يعرف شيئا عن محتوى المتاع الذي كان مفتوحا كله ومفتشا حتى العظم!

يا له من صباح بديع! يستيقظ في هذه المفازة، فيجد بين يديه بريدا من نواكشوط؟ ويزيد من روعة المفاجأة احتواء أحد جيوب الحقيبة عمدا فستان إحدى بناته اللاتي يتدثرن في غيبته بثوب من ثيابه كي يأتيهن النوم! أمعجزة "قميص يوسف" تعود من جديد.. مجسدة في فستان؟!

أجري تعديل في سلك الحرس، أقصي بموجبه محمد بن شداد عن حراستهم، وهو شاب من لبيدات من سكان اعويفيه ـ روصو. لم يكن طيعا لأوامر "الرقيب"! وحل محله شاب من شرفاء القلاقمه لا يبدو أكثر منه انضباطا!

أصيل هذا اليوم حضر الرقيب فوجده أمام الكهف يذرع الربوة المتكومة التي تكاد تسد المدخل جيئة وذهابا. قال:

ـ يا أستاذ! إنك تريد أن تهلكنا. إن الأوامر صريحة بعدم خروجكم من البيت.

ـ إننا نرفض الخضوع لتلك الأوامر‍‍ الخارجة على القانون. إن وجودنا هنا خروج على القانون وانتهاك له وللدستور والإعلان الدولي لحقوق الإنسان.

بهت. جمع حراسه ووبخهم وزودهم بتعليمات لم يطلع على فحواها؛ لكنها لم تغير شيئا في سلوك الحراس ومعاملتهم الطيبة لهم.

وفي تلك الليلة الخالدة تعشوا بـ"العيش" وتسحّروا به.. وقد تناولوا فاكهة لأول مرة منذ وصولهم إلى بو امديد.

 

في الحلقة القادمة: إرادة الحاكم هي القانـون!

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع