| انقلاب 10 يوليو 1978 الإصلاح المعاق |
| الجمعة, 13 يوليو 2018 07:46 |
|
اممد ولد أحمد هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته
إطلالة تاريخية: لقد استقلت موريتانيا يوم 28 نوفمبر 1960 عن الاستعمار الفرنسي تطبيقا للقانون الإطاري لسنة 1957، وتماشيا مع مقتضيات استفتاء نعم ولا(Oui ou Non) لسنة 1958، بقيادة حزب التجمع، وهو حزب المختار ولد داداه وسيد المختار ولد يحي انجاي وغيرهم... فتأسس النظام الجديد في كنف السلطات الاستعمارية، ودأب على مسايرة مصالحها (سمي بنظام الاستعمار الجديد) وهو ما جلب له بالأساس معارضة طبيعية من لدن الكثير من النخبة السياسية على هيئة تنظيمات سياسية وطنية كمنظمة الشباب الموريتاني، وحزب النهضة، وبعض الحركات الشبابية من القوميين العرب والكادحين... ثم كان اندلاع حرب الصحراء على أثر انسحاب المستعمر الإسباني سنة 1975 من الصحراء الغربية؛ إذ سارعت المملكة المغربية والنظام الموريتاني إلى تقاسمها بدون تشاور مع ساكنته المحلية، التي ردت بكل عنف على هذا الإجراء التعسفي بتأسيس جبهة البوليساريو المسلحة وأشعلت - بمساعدة جزائر بومدين- نار الحرب بلا هوادة في المنطقة. لقد دخلت موريتانيا هذا النزاع بدون تحضير يذكر، فلم يكن جيشها يزيد على 3000 فرد، فاقدا للتدريب وبتسليح هزيل.. ووصف اقتصادها بالضعف والفقر، حيث ارتكز أساسا على التنمية الحيوانية بطرق تقليدية، تعاني تحت وطأة سنوات الجفاف العجاف، وانعدام البنية التحتية الضرورية.. بينما كان أغلب المواطنين يعيشون في الأرياف مغيبين عما يجري حولهم، وبعيدين عن كل شكل من أشكال التعبئة والاستعداد للمجابهة الجارية.. فلم تعد البلاد إذن أن تكون الحلقة الأضعف في هذه الحرب، وتلقت أغلب الضربات الموجعة فسالت الدماء على الجبهات، واشتد الرعب في النفوس بعد تكرار استهداف المدن الرئيسية (انواكشوط وازويرات وأطار وتجگجه والنعمة...) وانهار الاقتصاد، وانفجرت هجرة السكان من الأرياف إلى المدن.. وبالنتيجة خيم الظلام في النفوس وساد التشاؤم...
وفي ظل هذا الوضع المزري كان من الطبيعي أن تلوح في الأفق بداية التمرد على الواقع والبحث عن حلول.. حيث بدأت الاتصالات بين بعض أطراف الطيف السياسي مع بعض القادة في المؤسسة العسكرية ونجم عن ذلك تشكل تجمع سري ضم كلا من: العسكريين: العقيد المصطفى ولد محمد السالك والرائد جدو ولد السلك والرائد محمد خونا ولد هيداله والرائد مولاي ولد بو اخريص والرائد أحمدو ولد عبد الله. ومن الزعماء التقليديين: شيخنا ولد محمد الاغظف وحمود ولد أحمدو وأحمد بن أعمر وبا مامادو صمبولي وبحام ولد محمد الاغظف، وعبد القادر كامارا. ومن السياسيين الشباب: سيد أحمد ولد ابنيجارة، ومحمد يحظيه ولد ابريد الليل وأحمد ولد الوافي ومحمد المختار ولد الزامل ومحجوب ولد بيه واممد ولد أحمد. واستمر هذا التجمع المذكور أعلاه في العمل بسرية تامة وبفاعليةٍ ما يناهز السنة، ليضع اللمسات الأخيرة على برنامج الانقلاب وتنفيذه المحكم. وبغية تحييد دول الجوار، فقد أوفد كلا من السيدين: محجوب ولد بيه إلى الجزائر لمقابلة القيادة الجزائرية، واحمد الوافي لمقابلة رئيس الحزب الاشتراكي المغربي المعارض، ولقيا القبول المطلوب.
استهدف الانقلاب أساسا: إيقاف نزيف الحرب أولا، ثم تقييم الوضع الاقتصادي للبلاد في سبيل اقتراح خطة مستعجلة لإنعاشه، ثم المباشرة بتنظيم انتخابات سياسية شفافة لانتخاب قيادات جديدة للبلاد. ولتسهيل تنفيذ الانقلاب أجرى العقيد المصطفى ولد محمد السالك، قائد أركان الجيش، تحويلات في قيادات الجيش شملت: تسمية الرائد جدو ولد السالك قائدا لمنطقة الصحراء، والرائد مولاي ولد بو اخريص قائدا لمنطقة آدرار، والرائد محمد خونا ولد هيداله قائدا لمنطقة تيرس زمور، والرائد أحمدو ولد عبد الله قائدا لمنطقة انواكشوط. ثم زحف الرائد جدو ولد السالك بكتيبته - وبسرعة مذهلة- من آوسرد في الصحراء باتجاه انواكشوط، حيث كان الوصول يوم 09 يوليو 1978. وفي اليوم التالي كان الانقلاب مكتمل الأركان، فتولى زمام السلطة العقيد المصطفى ولد محمد السالك كرئيس للدولة وقائد عام للجيش، وشكلت حكومة جديدة ولجنة عسكرية عليا. وما أن استتب الأمر للانقلاب حتى انطلقت المظاهرات الشعبية العارمة المساندة في العاصمة والمدن الكبرى بالبلاد، وقد بدا الانقلاب مفاجئا للجميع؛ وخاصة الدول الحليفة للنظام السابق، بسبب السرية التامة والتنفيذ المحكم؛ بل إن بعضها سجل صراحة عدم ارتياحه (فرنسا) وبدا الارتباك لدى آخرين (المغرب).
الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة الجديدة: بادرت الحكومة الوليدة إلى خلق هدنة ما فتئت أن انسحبت على إثرها من الحرب نهائيا وبلا رجعة؛ بل إنها اعتمدت دبلوماسية الحياد تفاديا للتوترات القائمة بين الأشقاء الجيران. وأعلت من الشأن الوطني عن طريق إفراز أول تشكيلة وزارية خالية من التوازنات التقليدية السلبية. كما سارعت باتخاذ إجراءات مستعجلة لإنعاش الاقتصاد: بعقد اتفاقيات جديدة في مجال الصيد، ثم لاحقا التوسع في الزراعة المروية وإصلاح القطاع المعدني... وتبنت فكرة بناء جيش وطني قوي مستقل.
رغم التوجهات الجادة في مجال الإصلاح الوطني التي حملها تغيير العاشر من يوليو 1978، إلا أن الواقع جاء مخالفا أحيانا للطموحات، فانحرفت هذه التجربة عما كان مقررا لها، وتجلى ذلك بسرعة من خلال تفكك النواة المؤسسة للتغيير بعزل الرائد جدو ولد السالك واستبعاد زملائه السياسيين؛ بل تم جلب عناصر من النظام السابق إلى هرم السلطة... ولم يجر تطبيق البرنامج المقرر بشكل كامل كالإصلاح الاقتصادي وتنظيم انتخابات ديمقراطية شفافة... مما دفع البلاد لاحقا إلى أتون سلسلة الانقلابات المتلاحقة وعدم الاستقرار... ومهما يكن من أمر، فإن أي تقييم جاد لتغيير العاشر من يوليو 1978 سيعتبره إحدى الحلقات الساطعة والإيجابية من تاريخ هذه البلاد، ويكفيه شرفا أنه أكد أن الموريتانيين بإمكانهم تنصيب رئيس دون إملاء أجنبي. هذا كان طموح تلك المرحلة البعيدة التي لا يتذكرها الجميع؛ بل ربما يجهلها من هم دون سن الخمسين وهم - لله الحمد- الأغلبية الساحقة. الطموح الآن ليس هو طموح ما قبل أربعين سنة. الظروف والحاجة هي التي تملي، غالبا، الطموح. لا أظن أن من بين من شاركوا، بصيغة أو بأخرى، أو من سايروا فكرة التغيير التي أدت إلى العاشر من يوليو، من كان يعتقد أن تلك الصيغة قابلة للتكرار أو بالأحرى أن تستمر روحها في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. إن المرحلة تتطلب الصدق مع النفس ومع الوطن، وتملي صيغا تلائم الزمن الجديد وتعقداته. إن الصيغة الصحيحة والطبيعية لروح الزمن هي إفراز نظام مدني مبني على التشاور والشفافية، والتقيد بالكفاءة والاستحقاق، والاحترام الصارم للنصوص والمؤسسات. |
