| فيروس كورونا: بين أفول أقنعة مركزية تحكم الإنسان في الكون والتدابير الإلهية |
| الأربعاء, 08 أبريل 2020 07:52 |
|
السيد ولد صمب انجاي
أسئلة تمس جرحا نازفا لا يكاد يفارقنا، نظرا لهول الكارثة وسرعة انتشارها؛ مما يجعل فكرة التضامن للتصدي لهذا الوباء مسألة حتمية لا تقبل التأجيل؛ محاولين نسيان كل الاعتبارات والخلافات البينية التي تحدث بين الأفراد والجماعات، حتى لا تكون حائلا دون مواجهة داء يخترق الحدود دون استئذان؛ فمن غير المنطقي والمعقول أن تنعكس تلك الخلافات على المواقف الإنسانية في الشدائد والمحن؛ فعلينا أن ننهمك في التعاون والتنسيق المحكم المتواصل والمستمر، للحيلولة دون انتشار هذا الوباء؛ وهو ما يعكس توجهنا لطي تلك الصفحات المظلمة من الخلافات التي لم تعد علينا بالفائدة ولا على البشرية برمتها؛ فالزمن أضحى زمن التكتلات والتوحد، ولم يعد زمن التشفي والتقوقع الذاتي؛ ولهذا يتطلب الأمر العمل جنبا إلى جنب مع الدولة وكافة أجهزتها المختلفة والتعاطي معها بشكل ديمومي لهزيمة عدو لا يفرق بين صديق وعدو للإنسانية؛ فالمساهمة في هذه الجهود للقضاء على هذا الداء مسؤولية جمعوية لتحييد الخطر المحدق ببلادنا، وهكذا يبرز دور كل فرد منا للتصدي لهذا الداء؛ ولذلك فدور الفرد هنا يجب أن يكمن في مستوى الوعي المجتمعي؛ هذا الأخير له دور مهم ومؤثر في إنجاح هذه الجهود التي تقوم بها مؤسسات الدولة؛ فبدون وعي مجتمعي فعال فإن نسبة كبيرة من هذه الجهود ستظل قاصرة. فوباء كورونا الزاحف جعل من المنظومة الكونية، بعد أن فشلت في التوحد والتكتل طيلة العقود الماضية، قطبا أحاديا؛ بل وقرية كونية واحدة، حيث تم محو جميع الاعتبارات الجيو - سياسية والاقتصادية (وحتى العسكرية) لتبدو في صورة الضعف والوهن؛ بل أضحت كلها أوهن من بيت العنكبوت أمام قوة خالق الكون ومدبره ومقلبه جل جلاله؛ وهو ما يطرح بشكل كبير مسألة (التوحد الكوني) والإنابة إليه وإخلاص صفة الإلوهية له وحده، إذا ما أرادت تلك المعمورة البقاء في هذه الكرة الأرضية التي زلزلت زلزالها على حين غرة، ولم يعد فيها البقاء إلا للأصلح حسب الزعم الدارويني؛ وهو ما يحتم العودة بشكل فجائي للاحتكام لنواميس الطبيعة وتسييرها للبشرية، بعد أن عجزت وفشلت هذه الأخيرة في تسييرها للكون، ونشر العدالة بين بني البشر ورد الحقوق لأصحابها؛ ولذا تثور الطبيعة من جديد عن طريق فيروس كورونا الذي هو آية من آي الله في الكون. هذا الفيروس الذي لا يعبأ بالانصياع لأوامر رجالات الشرطة، ولا يستكين أمام جحافل الجيوش العتاة المدججين بأرقى أنواع الأسلحة والطائرات، ولا يخضع لجواز السفر.. ليظهر العالم عاجزا عن إيقاف شره المستطير، ويكشف عورات سادة العالم. وما أعلمك أنه قد يكون يأجوج ومأجوج العالم المنظور(le monde visible) العالم الذي يبشر بأفول سيستام ونظام ما، وقدوم آخر أكثر إنصافا وعدلا من عوالمنا التي تصخب بالظلم وانتهاك الكرامة الإنسانية. إن هذا الوباء الفيروسي أشبه ما يكون بحرب عالمية ثالثة كان الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه قد تنبأ بقيامها، أو أنه باعثها، مع علمه أنه سيكون هو أول من يتضرر بلظاها. إنه درس للمنظومة الكونية للنظر في إعادة ترتيب الأولويات بشكل متجدد وليس جديدا فقط؛ نظرا لما تمليه الظرفية الراهنة ونظرا لما يفرضه النظام العولمي الكوسمولوجي الشمولي التوتاليتاري، الذي أصبحت التحديات فيه مشتركة بحيث لا يمكن التعاطي معها بشكل فرداني (individualisme) كما لا يمكن الرجوع القهقرى إلى الأنظمة الأحادية التي أضحت جزءا من الماضي؛ فليس ثمة من حلول ناجعة سوى إعادة بناء مفاهيم جديدة للعيش المشترك والمسؤوليات المشتركة؛ أي من منظور مفهوم إعادة الاعتبار لمركزية الإنسان، وترسيخ قيم العدالة والسلم العالمي؛ فهذا الداء أماط اللثام عن العالم فسقطت أقنعة كانت بالأمس القريب تعتبر نفسها قطبا مركزيا في إشاعة العدالة واحترام حقوق الإنسان؛ بل والتحكم في معرفة أسرار العالم، وقوة عسكرية لا يستهان بها؛ فإذا هي لأول مرة تتساقط كأوراق التوت أمام تداعيات فيروس جبان لا يختفي إلا ليظهر بأشد وأقسى؛ وهو ما يعضد قولنا إننا بحاجة إلى التوحد والتشكل من جديد، أو نترك الباب على مصراعيه لتحكم النواميس الفيزيقية(physiquement) كي تسير العالم بعد ارتهاننا للضعف في إيجاد لقاح مضاد للفيروس؛ وهو ما يجعلنا نقول - مع عدم الجزم- إن ظهور هذا الداء يشكل تحديا حقيقيا للعالم وإظهارا له على حقيقته أمام تحديات الدهر التي لا ترحم من شكا، ولا ترق لمن بكى. وفي ظل هذا وذاك كم نحن محتاجون إلى العناية واللطف الإلهي.
حفظ الله البلاد والعباد من سيئ الأسقام. |
