أدب وفن في خدمة الحرية والمساواة (ح4/ 4)
الأحد, 20 مايو 2012 10:55

رابعا: القصة والمسرح

altرغم أن القصة والمسرح كانا غريبين في بداية الستينيات على الساحة الموريتانية البدوية البكر، فإن النخبة التي حفظت "أحسن القصص" ولديها إلمام واسع بالمقامات وألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة، وأيام العرب وبني حسان وإدوعيش، وكرامات الزوايا، سرعان ما بدأت تعرف ذلك الفن عن طريق عمالقة كالمنفلوطي وطه حسين وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وهيغو وتولستوي وغوركي وليوسن وغيرهم. ولم يتوقف الأمر عند 

ذلك الحد؛ بل تجاوزه إلى درجة امتلاك وإعمال ذلك السلاح. وهكذا ولدت ـ حسب علمي ـ أول مسرحية مكتوبة هي "ليلة القدر" التي تتحدث عن مقتل كابولاني؛ والتي نالت الجائزة الأولى في مسابقة نظمها المركز الثقافي العربي في نواكشوط سنة 1965.  وتوالت المحاولات بعد ذلك، كقصص الطاولة العرجاء، ومذكرات كلب أهلي، وفاطمة، ورواية الطريق.

وتتحدث قصة "الطاولة العرجاء" عن طاولة خشبية عاشت ضمن أخريات في مقصف الثانوية الوطنية (أكبر المؤسسات التعليمة يومئذ في البلاد) يحفر عليها تلميذ في أوج سياسة الكبت القومي والاستلاب والتغريب المتبعة يومها، رسالة مؤرخة إلى أجيال الغد هذا نصها "نحن عرب". وبعد عقود من ذلك التاريخ، وفي وضع مغاير تماما، يتم اكتشاف تلك الطاولة النخرة العرجاء، فيجري ضمها بفخر إلى مقتنيات المتحف الوطني الزاخر بالنفائس والتحف الأثرية!

كما تتحدث يوميات كلب أهلي عن الحرمان والتمييز اللذين يعاني منـهما الكلب الموريتاني مقارنة بالكلاب الأجنبية الدخيلة المكرمة المبجلة. وكان الموظفون الأجانب ممن يطلق عليهم "المستشارون الفنيون" يتربعون يومئذ على قمة الهرم السياسي والاجتماعي في العاصمة، ويتمتعون بامتيازات جمة، ويقتنون كلابا أجنبية فارهة تعيش في بحبوحة رفاه وعز يعز على المواطن نفسه، فأحرى الكلاب الأهلية.

أما رواية الطريق (1969) وقصة فاطمة (1974) فإن الأولى تتحدث عن مصير أسرتين (بيظان وعبيدهم) اضطرتا تحت وطأة الجفاف للنزوح من الريف إلى المدينة بعد نفوق ماشية السادة، فتنشأ بينـهما علاقات اجتماعية جديدة أساسها وحدة الهم والألفة والجوار والأخوة في الدين والوطن. وقد قامت على نفس الأساس وغيره علاقة أخص بين محمد الابن الأصغر لعبد الله وعيشه البنت الصغرى لمحمود آلت بـهما في نـهاية البداية إلى الذهاب في بعثة دراسية نحو كوبا عادا بعدها بمؤهلات جامعية كبيرة وبأفكار أكبر عن المجتمع والحياة والأسرة، وعن الثورة أيضا. بينما تتحدث الثانية عن انتقام أميرة من بنات الأمير الشهيد سيد أحمد ولد عيده من قاتل أبيها؛ ذلك القاتل النذل الذي أدمن التبجح في بيتـها بحكايات مقتل أبيها على يده في وديان الخروب، وهو يحتسي كؤوس الشاي المنعنع مع زوجها المحابي الضعيف. فما كان منـها ذات ليلة، وقد نفد ما بقى لديها من صبر، إلا أن استلت بندقية زوجها من فوق التيزيديات وأصلت القاتل وابلا من جحيم... وهاجرت بأبنائها إلى قبائل الرقيبات المنيعة.  

ورغم أن انتشار هذه الأعمال البدائية التي آل أمرها إلى الضياع في ظروف التشرد والقمع والمصادرة، كان محدودا، فإنـها تركت بعض الأثر يومها في ذلك المحيط الزاخر بالثورة.

وكان لمسرح الكادحين السري المغلق، أثره - هو الآخر- في شبابـهم الذي تجاوب معه تجاوبا كبيرا. خاصة أن العروض النادرة التي قدمها ذلك المسرح غلب عليها طابع الهزل في فترة كادت الجدية المبالغ فيها أن تحول الشباب المناضل إلى حجر، وتنتزع البسمة من شفاههم.  

وكان مسك ختام ذلك الأدب قصتيْ الأسماء المتغيرة والقبر المجهول للشاعر والكاتب أحمدُ ولد عبد القادر. وهما عملان ناضجان غنيان عن التعريف هنا؛ لأنـهما نجتا من الطمر والضياع لتأخرهما الزمني نسبيا، ولأنـهما نشرتا ودرستا وكانتا مجالا لبحوث نقدية وأكاديمية كثيرة على المستويين الوطني والعربي. ومن أهم ما كتب عنـهما على المستوى الوطني أعمال الأستاذين: محمد الأمين ولد مولاي إبراهيم  ومحمد الحسن ولد المصطفى. فالرجاء الرجوع إلى تلك الأعمال.

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع