برنامج "اجماعه" (ح3)
الأربعاء, 07 مارس 2018 07:04

 

altبعد فترة الازدهار جاءت الحرب، وجاءت الانقلابات، وجاء الانحطاط في مختلف المجالات: في السياسة، في الاقتصاد، وفي الفن أيضا.

أتقانا: هذا معنى قولكم إن من غير الممكن الحكم مباشرة على الأدب عند سماع إحدى روائع الذين ذكرتموهم؛ فإذا لم يكن في الأدب اليوم ما يقارن بها فليس معنى ذلك أن الأدب تناقص، وإنما «حاسبو أنفسكم قبل أن تحاسبوا» أي أن ذلك كان في محيط يقدر الكلمة، وكان للكلمة معنى، فبالمقارنة مع هذه الروائع الطويلة قد لا يعلق بذهنك اليوم "گاف" سمعته مع انتشار الانترنت وغيره!

نحن اليوم لدينا أدب سدوم ولد انچرت وغرظو وأولاد مانو ومحمد عبد الله [المقصود محمد عبد الرحمن] بن مبارك ولد يمين وكم هائل من الدواوين وصلنا من خلال الحفظ والكتابة بوسائل شبه مستحيلة، وهذا دليل على أن الكلمة كان لها تقدير مهم، لكن مع الكلمة هناك رجال يبنون، وكانت الأمة تساعد على هذا البناء، وهذا مهم أيضا.

ذ. إشدو: ما دمنا نتحدث عن موريتانيا، فكما قلت لكم وقع انحطاط في نهاية السبعينيات، وسبق أن طرحتم هذا علي وسألتموني عن "عصابة الأربعة" في المذرذرة مثلا.

أتقانا: صحيح.

ذ. إشدو: "عصابة الأربعة" تتألف من القوم الذين تعلمهم.

أتقانا: نعم.. محمدٌ ولد إشدو، ودنبه ولد الميداح، وأحمد سالم ولد التا، ومحمد ولد ابياه.

ذ. إشدو: "عصابة الأربعة" هذه هي محاولة للهرب من الموت الثقافي، محاولة لبعث الساحة الثقافية. آنئذ.. 1981. وتعلمون الأحداث التي جرت في تلك الفترة، كانت المنطقة– أو موريتانيا كلها- تعيش جوا من الذل والمهانة والانحطاط، فكان لا بد أن نفعل شيئا.

أتقانا: ربما كنتم آنذاك في إقامة جبرية.

ذ. إشدو: نعم، في إقامة جبرية، والمجتمع انقلب عاليه سافله، والأدباء وبعض الأطر مشردون بين هارب إلى الخارج لاجئ، أو سجين، أو خاضع للإقامة الجبرية. أرأيت كيف استحال الكلام! الحرية معدومة.

لقد أنتجنا فيما قمنا به نصوصا كانت محاولة في هذا المجال، كقصيدة تلمسي مثلا، وقد غناها الفنان الكبير الأستاذ محمد ولد الميداح. تقول:

من عجيب العجيب أن تلمسي ** تصبح اليــــوم ذات شأن بنفسي

ها أنا اليوم في تلمسي أســـير ** أي عــــهــــد بيني وبين تلمسي؟

أين مني عرائس البحر؟ أين الـ ** ـگبله مني؟ وأين مسقط رأسي؟

نفحة من عبير تلك الـــــروابي ** كيــــف تغدو هنا رهينة رمس؟!

ووميض من فجرها قد تــــلالا ** كيف يخبو وليلها جــــــد مُغْسِ؟!

ونشيد من "مَاغَجُّوگَه" أصيل ** كيف  يحلو دون انتَــمَاس وكَرْسِ

رب يوم هناك كنت سعــــيدا ** بين إنسي.. وليلة طــــــــاب أُنسي
ألثم البدر في الشفاه رحــــيقا ** ملء نفسي؛ وصهوة الشمس كأسي
لا أبالي بحادثات اللـــــــيالي ** أنفق العمر بين جَــــــــنْيٍ وَغَرْسِ

أقفرت تلكم الربوع وذلـــــت ** بعد عز.. فيــومها غــــــــير أمس
"حين غابت بنو أمية عنـــها ** والبهاليل من بني عبد شـــــــمس"
"ذكرتنيهم الخطوب التـوالي ** ولقد تُذْكِرُ الخطوب.. وتُنــــــسي"

البيتان الأخيران قديمان.

هكذا الدهر.. إن أساء فصــــبرا ** سوف يصفو من بعد كــد وبؤس

يا بلادي أحببت فيك ضــــياعي ** وبظلمي رضيت فيــــك وبخسي
لست أبغي في الكون عنك بديلا ** وعزائي أني بأقصاك.. منـــسي!
يا بلادي آمنت فيك بزحـــــــف ** سوف يهوي على الجذوع بـفأس

أتقانا: البيتان الأخيران على واجهة الموقع.

ذ. إشدو: نعم.

أتقانا: جميلان جدا.

ذ. إشدو: هذه القصيدة، وكذلك "أميرة الفن" والكثير من القصائد..

أتقانا: هل كان إنتاج هذا إبان زمن "العصابة"؟

ذ. إشدو: نعم، إبان "العصابة". إبان الانحطاط، محاولة للانتشال.

أتقانا: سبحان الله، أنتم قلتم فيه هذه القصيدة السينية الجميلة محاولة منكم - ضمن "عصابة الأربعة"- للنهوض بهذا الأدب من جديد ولكم قصب السبق في ذلك، وإذا كنتم قلتم هذا بالفصحى ففي نفس الفترة تقولون:

گولولي بسمن حال ** ما نرجع في التـجال

وانفوتّ واسـو مالّْ ** امن الصنگ شهرين

فيهَ دنـــبه دجــــال ** واتلامــــيدُ متــــــين

واحمد سالم منشال ** عنـها عــاطي يومين

والگـــود ألا مزال ** فيه أهلُ مجتــــمعين

"العلـيب آنَ نبغيه ** متفـــگد فيه ازمين.."

أليس هذا جوابكم؟

ذ. إشدو: هذا لي أنا. هو يقول:

إشـــدو كنــــت إلاه ** ألا گاعـــــــد نـــرجاه

وانسَ تجال اعـطاه ** اعگب وانس مسكين

شِ بَرَّه ما ينــــساه ** عد الشــــهرَ ذ الحين

أتقانا: ما معنى ذلك؟

ذ. إشدو: معناه أننا في إقامة جبرية تجدد كل ستة أشهر.

وامــش ول ابــــــياه ** عني لُ عاد ازمـــين

واحمد سالم نلـــــگاه ** غير ألا رمشت عين

"افارغ لي ملگ خو ** ولَّ صاحب لثنــــين

والاَّ ذانَ نــــــــــخو ** ض مع الخائضــين".

أتقانا: سبحان الله، الفصيح والحساني! لم تهملوا أي جانب من هذا الأدب لأنكم تعلمون أن لكلٍّ طائفةً تتقبله. كيف يمكن أن تسود هذه الثقافة العظيمة؟

ذ. إشدو: هذه كانت بدايات وقتها، لكن هل تتصور 12/12 بدون هذه البدايات وبدون هذا الأدب. سأنشدك أبياتا من شعر ذلك الزمن:

فاغرب إلى الخزي عن أوطاننا فهنا ** لا يستقيم به منغــــستو مرياما

تاريخنا – أيها المعتوه- شاهــــــــدة ** أيامه أننا لا نخـــضع الـــــهاما

إنا كبونا؛ وتكبو الخيل عن كــــــرم ** يوما.. وتنهض للثارات أعواما.

أتقانا: هذا لكم أنتم؟

ذ. إشدو: نعم.. من أدب تلك الحقبة. ما ذا جرى حين وقع 12/12؟ لا شك أنك قد سمعت قصيدة الشاعر أحمدُ ولد عبد القادر التي يعبر فيها عن انعتاق موريتانيا من الأيدي الأجنبية التي كانت مسيطرة عليها واتجاهها نحو أبناء وطنها. يقول فيها:

خلقنا بهذي الأرض قوما أعــــزة ** وأرواحنا بالخير تبـــنى وتعــــمر

إذا غاب عنا الماء والخبز لم تغب ** كرامـتنا فيـما نقــــول ونبــــــصر

وترضعنا الصحراء روح انعتاقها ** نسيما عليلا في العـــــوالم يعـــبر

فكيف تربينا الســـــلاسل أمــــــةً ** سوى ما خلقنا؟ كيف نسبى ونقهر؟

إذا ملك الإنسان حق احتـــــرامه ** فكل اعتـــــبار بعـــــد ذلك يصـــغر.

هذه الفترة كانت فترة انحطاط، وكان الأدب الرفيع فيها (بفصيحه وشعبيه) أدب مقاومة ونهوض.

أتقانا: وحضور موريتانيا لدى الشاعر كان جليا.

ذ. إشدو: في مقاومتها واستحضار ما جاء بعدها.

هناك أمر بإمكانك أن تقوله لي، ويمكنني أن أعترف معك به، لكني أود أن أزيدك من الأمثلة. الأستاذ البُ ابن أوفى - رحمه الله- عبر عن هذه الفترة تعبيرا بديعا. يقول:

افريگ الخير التعرف كان ** متوطن حومــة فُــــم المان

وامسكري بين ابير الشان ** واعگيلة لمـــرو والديـــن

افريگ املان امن الحيوان ** اعرب وازوايه متخاوين

 

اجبرت أخبارُ گط اگبـــيل ** واسمعت انُّ جاوه وحديــن

من شور الدشره بالرحيل ** وارحل ما يعرف حد اعلين!

هذا الحي (لفريگ) الذي كان موريتانيا آنذاك ذهب في زمن الانحطاط، وذهب إلى حيث لا يدري أحد!

أتقانا: يخاله السامع بكاء عاديا على الأطلال! (بل بكاء على أطلال دولة احتلت ودمرت واختطفت، وشعب عانٍ).

ذ. إشدو: وليس بكاء على الأطلال!

هذه مرحلة انحطاط دخلتها البلاد. ولك أن تسأل هل نهضنا من هذا الانحطاط أم لا؟

أتقانا: أجل.. أسألكم عن ذلك، وعن الكيفية المناسبة للنهوض بالأدب وتطويره؛ وكل هذا يصب في المصب نفسه.

ذ. إشدو: الحقيقة أن هذا سؤال لست أنا من سيجيبك عنه، لماذا؟ لأن على كل منا أن يحاول البحث عن إجابة له. غير أن بإمكاني أن أقول إننا منذ أغسطس 2005 بدأنا نخرج من الانحطاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والخروج من الانحطاط بأنواعه المذكورة هو ما يزرع بذور الخروج من الانحطاط الثقافي والأدبي. لكن لا بد من إضافة "آضيگ" كما يحكى أن امرأة طلبت من رجل أن "يحَجّب" لها لغنمها المفقودة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، فقالت له: يا مرابطي أضف شِلْوًا (آضيگ).

إذن فالأرضية سامحة بالتطور، لكن هل نحن قابلون للتطور؛ علما بأن التطور لا يحدث تلقائيا.

ثمة أمران من الضروري أن يعيهما ساستنا ومثقفونا واقتصاديونا.. وجميعنا:

- أن التطور لا يمكن دون وجود أرضيته المناسبة.

- أن توفر الأرضية المناسبة لا يكفي دون بذل الجهود من طرف الجميع.

أتقانا: وهذا ما عنيتموه بالقول إن على كل منا أن يحاول البحث عن إجابة لهذا السؤال.

ذ. إشدو: نعم. وأنا شخصيا لدي بعض وجهات النظر فيه؛ وجهة النظر الأساسية أنه لا بد من التغلب على الأسباب المؤدية للانحطاط، وقلنا إن الأسباب التحتية قضي عليها، سواء في المجال السياسي أم الاجتماعي، ووقعت إصلاحات، وهناك حركة إصلاحية وطفرة. واسمح لي أن أقرأ لك فقرة من مقال سبق أن كتبته:

"وما ظنكم بنابتة ما كرّرت نصوص الألفية وخليل على وبيص النيران، ولا تحفظ السِّتِّي والوسيط وأمهات لبتيت، ولا إلمام لها بأزوان إطلاقا، ولم تقتبس شيئا من فكر النهضة أو تعاليم الأفغاني ومحمد عبده؛ ناهيك عن الثورة الفرنسية أو الفلسفة الألمانية أو أعمال شكسبير وموليير وهيغو وفولتير وروسو الذين لم تسمع بهم قط! وتلعن نزار قباني وأدونيس ودرويش لكفرهم!

تسألوا أين إشعاع أئمة شنقيط وفوتا الذي عمّ الآفاق، ولا عمّا بقي من أثر السلف الصالح الذين اتخذوا "ظهور العيس مدرسة" (كما سبق أن قلت لكم) ولقد صدق الرصافيّ حين قال:

إذا ما الجهل خيم في بلاد ** رأيت أسودها مسخت قرودا!"

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع