رحلـة الشتــاء (ح 2)
الأحد, 26 أغسطس 2012 10:40

 

"لو أن كل من دخل السجن أعطانا قصة عن "بيت الموتى" لكانت لدينا قصص لا تنتهي عن السجون".

ستيفان زفايج. (حنا مينه، كيف حملت القلم، ص 112)

 

المهرجـان

 

altالأربعاء 16/12/98. الساعة الخامسة والنصف.

لم يتصور، وهو يغادر رقم 13 بشارع جمال عبد الناصر، أنه لن يغدو إلى العمل صباح اليوم التالي، ولن يرى مكتبه هناك إلا بعد عطلة قسرية دامت شهرا جاب خلالها أرجاء واسعة من بلاد الله في "رحلة سياحية" مقيتة!

نزل سلالم الطابق الوحيد، واتجه إلى ساحة منظمة استثمار نهر السنغال، جنب دار الشباب القديمة، حيث يعقد مهرجان سلمي شرعي دعت إليه جبهة أحزاب المعارضة وينعشه اتحاد القوى الديموقراطية ـ عهد جديد، أكبر الأحزاب المعارضة.

وتدعو المعارضة، جادة، هذه الأيام، إلى فتح تحقيق في قضيتين جوهريتين هما: ما تناقلته الأنباء عن دفن نفايات إسرائيلية في الصحاري الموريتانية الشاسعة، ومصير مليارين من الدولار اقترضتهما البلاد ولم يظهر لهما أثر معتبر في اقتصادها، حسب دعوى المعارضة المدعومة بالأدلة.

ليس من عادته ارتقاء المنصة أثناء المهرجانات التي يدعى إليها، بل يبقى متنقلا مع أصدقائه بين الناس، يجسون النبض، ويتبادلون الأخبار والتعاليق، بعيدا عن قيود الرسميات وعيون الكاميرات.

وفي زاوية من زوايا الحشد التف حوله نفر من "الناصريين" يشكرونه على مؤازرته لسجناء الرأي، ويطلبون منه أن يدافع عنهم إذا تم اعتقالهم، وكانوا مرشحين، قبل غيرهم، للاضطهاد بسبب ما يبدونه من معارضة لسياسة الهرولة والتطبيع مع إسرائيل التي تقترفها السلطة، وبسبب ما لهم أيضا من وجود في حزب المعارضة الرئيسي، وفي جبهة أحزاب المعارضة كذلك.

ليس يدري لماذا قال لهم: "ومن سيدافع عني أنا؟" هل كان يتوقع الاعتقال؟ وبأي سبب؟

آلاف الرجال والنساء، من مختلف الأجناس، والأعمار، والملل والنحل، توافدوا على ذلك الجمع، بحثا عن بصيص أمل، أو كلمة حق تنير طريقهم العاثر الحائر! من يرفع الظلم، ويصارع الفساد، ويهزم الجوع والجهل، ويرد الكرامة المهدورة، وينقذ الوطن المستباح؟ و.. متى؟ و.. كيف؟

يتركب جمهور المهرجان، في غالبيته، من العرب، بيضا وسمرا.. عاكسا تحولات الساحة السياسية، غداة الانتخابات الرئاسية، حيث اشرأبت إلى الشارع شرائح شعبية واسعة كانت إلى وقت قريب في زريبة السلطة، وبعيدة كل البعد عن السياسة، وعن توجهات المعارضة. ويرجع ذلك التحول في الأساس إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانسداد الأفق السياسي، وخيبة الأمل في التغيير لدى مجتمع رازح، قهرت إرادته، وسلبت حريته، وأجهضت نهضته، وطغى عليه نظام فرض للمرة الثانية، بوسائل مشبوهة، ولاية جديدة لحاكم لا ينعقد عليه إجماع!

وكسائر أنشطة ديمقراطيتنا العتيدة، كان للبوليس السري حضور متميز بين الجمهور، ناهيك عن البوليس العلني الذي أحاطت سياراته ورجاله بالمكان. خاصة أن قرارا باعتقال زعماء قد اتخذ بالفعل في السر، واختير ميقاته بدقة ليتزامن مع العدوان المبيت هذه الليلة على العراق.. ولم يبق إلا التنفيذ!

* * *

انتهى المهرجان بسلام، قبيل صلاة المغرب، فأفاض في ثلة من مدمني الحرف هم د. محمد المختار بن السعد ود. يحيى بن البراء والأستاذ أحمد سالم بن التّا إلى مركز من مراكز النور: دار أهل السعد. وهناك شربوا "أتايا" أصيلا على سمر أدبي شيّق ما كان يتوقع أن يكدر صفوه نكد!

في الحلقة القادمة: الاختطاف

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع