من الأرشيف

في ذكرى الدكتور جمال ولد الحسن
الخميس, 17 مايو 2012 11:27

 

altعندما انبرى نادي الشعراء الشباب - دون غيره - يؤبن فقيد الثقافة والعزة الوطنية المرحوم د. جمال ولد الحسن، وطلبوا مني إلقاء كلمة بالمناسبة، تزاحمت في ذهني شتى تداعيات رزئه الجلل.

تذكرت أني قرأت في السبعينيات من كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل "لقاء مع الشمس" أن رئيس وزراء الصين الأسبق شوين لاي قال له معاتبا: "لما ذا تركتم جمالا يموت؟ لو كان جمال في أمة غير العرب لما تركتـه يموت!". يومها لم أفهم كنـه هذا العتاب، وإن صادف هوى في نفسي؛ وقلت: أمن شيم العرب حماية زعمائهم من الموت، وهم من - مثلا لا حصرا- قتلوا الزباء، وكليبا، وحجر بن الحارث؛ وأسلموا النعمان بن المنذر؛ ولم يحموا عمر، ولا عثمان أو عليا! وقالوا في حجر بني عدي:

فإن تـهلك فكل زعيم قوم       من الدنيا إلى هلك يسير؟

ورغم ذلك، ظلت كلمات شوين لاي حاضرة في ذهني أبدا لا تغيب ولا تريم! فكنت كلما خلوت إلى نفسي أسائلها: أحقا شاركت في اغتيال جمال؟

وكم من "جمال" مات بعد موت جمال.. كان في إمكان الأمة - ويجب عليها- أن تصونـه وتحميه!

.. ولما مات د. جمال ولد الحسن غريبا، ظمآن، بعيدا عن النبع والجذور والربوع والمغاني والأهل والأتراب "يبحث" في بلاد الناس - ولو كانوا إخوانا وأهلا- عن عيش كريم، ضنّ بـه عليه وعلى أمثاله، وطن غني جاحد جائر قاتل عشش فيه الطغيان العسكري، واختطفه الفساد، فصرم حبال العلم والثقافة والأدب والعدل.. أدركت بعضا مما أراد قوله ذلك الكونفشيوس الصيني!

فجمال العرب والمسلمين في عصر النفط - عصر العشائر والأسر، ودول العسكر، وهيمنة رعاة البقر- يموت بالغربة، يموت بالضياع، يموت حزنا وغما على مصير الأهل والوطن، وسلامة الأرض والعرض، قبل أن يموت بمرض عضال أو حادث عبثي مؤلم! إنـه يقتل بالوسائل المعنوية (قبل المادية) كما يقول الحقوقيون!

وبعد موتـه يموت موتا آخر حين يطويه النسيان والجحود! فلا يبقى غير القبح!

* * *

أية غاية في هذه الدنيا أعز على الإنسان الصالح من أن يخدم وطنـه، ويربي نسله، ويرعى أصوله حتى يشيعها إلى مثواها الأخير؟ وكم من مغترب من بلادنا عانى عذاب العجز عن تحقيق هذا الحلم!

.. وهاهي ظروف الغربة المجحفة، تحرم الدكتور. م. م. س.من مجرد إلقاء نظرة وداع على أروع وأنبل أم؛ تماما كما جرى لي سنة 80! ناهيك عن الواجبات الأخرى! يومها كنت سجين طغيان العسكر؛ أما هو فسجين جحود الوطن، وعبودية الوظيفة، والغربة.. لكي لا يمد يدا أو يركع لطغيان! وأمثاله كثر!

ترى أيهما أصدق تعبيرا عن مأساة الأدمغة المهاجرة خصوصا، والمهاجرين عموما، أهو إيليا أبو ماضي حيث يقول في سياسة المستعمر المقيتة:

نغشى بلاد الناس في طلب الغذا      وبلادنا مفتوحة للنــــاس

أم المتنبي حين يقول معاتبا (سيف) الدولة:

إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا      أن لا تفارقهم، فالراحلون هم!(1)

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-"السفير" العدد 534 الأربعاء 13/6/07.

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 8 زوار  على الموقع