رحلـة الشتــاء (ح 5)
الثلاثاء, 04 سبتمبر 2012 13:02

 

في مخفر إدارة الشرطة بولاية نواكشوط (تابع)

 

altطلب الاتصال بنقيب المحامين، وبذويه، فرفضوا ما أراد.. وبعد إلحاح وأخذ ورد، سمح له المفوض المسؤول بذلك! نزلا من الطابق إلى مكتب أرضي به هاتف ثابت. أدار المفوض القرص مشكلا رقما أملاه عليه، فأجاب أهله. طلب منه المفوض إملاء رسالة يوصلها إليهم، فألح هو في أن يباشر التبليغ.. قبل المفوض بعد تردد:

ـ "لا داعي للحزن! لقد اعتقلت، وأوجد بالإدارة الجهوية للشرطة (المفوضية المركزية سابقا) أخبروا النقيب، والأستاذ إبراهيم ولد أبتي".

تلقت السيدة النبأ – كعادتها- بصبر وشجاعة نادرين أثلجا صدره، لولا نحيب ابنته الصغرى الذي وصل إليه عبر السماعة مثيرا لواعج الحزن واللوعة في نفسه، ولولا ما سيعتمل في قلب أمه العجوز من أسى وألم وهي تتلقى الخبر.

وفي لمح البصر أحضر أهله الفراش والغطاء والعشاء وبعض الكتب.

لم يكن يتمتع بشهية طيبة، فقدّم الطعام وملحقاته من حليب وفاكهة إلى حراسه الودودين، واحتفظ بالماء والكتب. وما هي إلا دقائق، حتى جاءه رئيس المخفر العريف (أحمد سالم) يسترجع الكتب (الشعر والشعراء في موريتانيا للدكتور محمد المختار ولد اباه، وكتاب عن الإمام مالك بن أنس) بذريعة أن الأهل يريدون استبدالها بأخرى! فطن للحيلة، فرفض التنازل عن مؤنس وحشته! عاد الرجل يتوسل إليه أن لا يلحق به الضرر، معلنا أن الأوامر تقضي بمنعه من القراءة! عندها "سمح بما يحب"! وتنازل - بمقابل هو تزويده ببعض الأخبار ـ عن الكتابين؛ دون أن يدرك، إلى حد الآن، الحكمة المتوخاة من وراء منعه من مطالعة كتاب!

علم الآن من بعض حراسه - والساعة تشير إلى منتصف الليل- أن أمريكا وبريطانيا نفذتا عدوانهما الغادر الجبان على العراق، في نفس الوقت الذي جرى فيه اعتقاله هو وزملائه! (هل كان ذلك مجرد صدفة؟) وأنهما تمعنان في تدمير الحياة والحضارة والبيئة، مما ضاعف من حزنه وبؤسه! كما علم - من نفس المصدر- بوجود معتقلين آخرين في الغرف المجاورة من نفس العمارة.

أخذ يدون ملاحظاته هذه على هوامش الصفحة الأولى من العدد رقم 241 من جريدة القلـــم (LE CALAME) التي أخفاها عن قناصة الحرف، والتهم كافة موضوعاتها التي شدّ انتباهه منها:

* نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صادقت عليه موريتانيا، وأعلن شعبها، في الفقرة الثانية من ديباجة دستوره، تمسكه به بقدر"تمسكه بالدين الإسلامي الحنيف"! وتم الاحتفال بيوبيله الذهبي منذ خمسة أيام! وكان قد شارك للتو في احتفال دولي نظم بالمناسبة بجامعة السربون بباريس. تأمل مليا المواد 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 11، 12، 17، 19 من ذلك الإعلان، وخاصة المادة 9 التي تقول بالحرف الواحد: "لا يمكن اعتقال أي إنسان أو حبسه أو نفيه ظلما."! قال في نفسه: رباه، كم البون شاسعا بين "المصادقة" على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وممارسة ذلك الإعلان، في هذا العصر الأمريكي الزائف!

* مقابلة أجرتها الصحيفة مع سياسي مهرول إلى النظام، على حساب معارضة يدعي شرعيتها، ويصفها بالتطرف، ويقول عنها للنظام: "وبالعكس، يرى بعض منافسينا، أن الديموقراطية لعبة للخداع ومناورة يخفون وراءها نشاطاتهم الهدامة الهادفة إلى الاستيلاء على السلطة - أو إحداث التغيير الذي يتمنونه- بواسطة طرق أخرى غير طرق الديموقراطية والتعددية. فنداءات بعضهم السافرة الرامية إلى تدخل القوات المسلحة تدل بوضوح على أنهم مستعدون - في سبيل مصالحهم الخاصة- لتعريض موريتانيا لكافة الأخطار. لقد أكد بعضهم في مهرجان عقد في مقاطعة الرياض يوم الجمعة 27 نوفمبر 1998 أنه لا يوجد حل لاحتقان الوضع السياسي الوطني إلا اللجوء إلى أعمال الشارع؛ أما نحن فمتأكدون من أن عملية دمقرطة الحياة في بلادنا جارية لا مرد لها".

في تمام الساعة الثالثة صباحا أخذوه للاستجواب.

كانت التهمة هشة ومطاطة... يتواصل.

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع