دفاعا عن مجرمي الحرب
السبت, 11 يناير 2014 13:54

 

مرافعة أمام محكمة القاهرةالدولية نعيد نشرها لوفاة شارون

 

alt        سيدي الرئيس؛

        السادة أعضاء المحكمة الموقرة؛

        من المبادئ التي اعتنقتها بصدق في بداية طريق المحاماة الوعر، ضرورة تناسب حاجة المتهم إلى الدفاع عنه وتوفير ذلك الحق له، مع مدى خطورة التهمة الموجهة إليه. تماما كما المريض الذي تتناسب حاجته إلى العلاج وضرورة تقديمه إليه مجانا – وبسرعة- مع مدى إصابته، بغض النظر عن سبب مرضه أو هول وبشاعة جريرته. لذلك فضلت واخترت عن وعي، أن أكون في خندق الدفاع الساخن، أثناء هذه المحاكمة، بدل أن أتكئ على أريكة الاتهام الوثيرة.

        سيدي الرئيس؛

        السادة أعضاء المحكمة الموقرة؛

        لن أدفع أمامكم بعدم الاختصاص الذي ركز عليه بحق، زميلي العزيز الأستاذ عبد العظيم المغربي عميد هيئة الدفاع، بل سأتطرق مباشرة إلى الأصل لأبرهن لكم بالحجج البالغة على براءة هؤلاء المتهمين من كل ما نسب إليهم.

وأبدأ بالمتهم الأول جورج ولكر بوش.

        إن هذا الرجل الطيب - لحد السذاجة- برئ مما تتهمونه به. وذلك لأسباب رئيسية ثلاثة هي:

ـ أنه نتاج تربية توراتية أصولية، وإيمان عرقي راسخ، يوجبان عليه حمل رسالة الآباء المؤسسين في أمريكا و"بركات الحرية" إلى الناس كافة؛ وخصوصا تلك الأصقاع الوثنية المتخمة بنفط لا تحتاجه في نموها الصناعي والحضاري. إنه ينفذ أمر الرب الذي أرسله بصفته قائد أعتى قوة في الأرض.. "بارك الله أمريكا"!ومن ينفذ أمر الرب لا تجوز مساءلته من طرف العبد. 

ـ أن الأرض التي يدعي الاتهام أن احتلالها جريمة حرب، هي أرض بلا سيد؛ والأرض لمن أحياها. وقانون بلدي "العمراني" (الگزره) خير شاهد على ذلك في كرفور وتنسويلم وامگيزيرة وسهل شمامه ..الخ. أضف إلى ما تقدم أن شيوخ القبائل الوثنية السائبة في تلك الأرض بايعت الرجل وباعته ولاءها الأبدي، وحكّمته في مالها وولدها بثمن قدره عشرون قنينة كوكا كولا، وعشرون رغيف هامبورغر أشعلت حرب داحس بين القبائل، ومثلها مرايا مختلفة الأحجام والألوان نرى فيها وجوههم الأبدية صباح مساء. وتصرف المالك في أرضه يسمى عدلا لا عدوانا! 

ـ أنه ورث العرش عن أب حازم، عرف مدى ابنه، فعهد برعايته إلى وصيين حميمين استبدا بالأمر من دونه، ولم يتركا له غير إضفاء شرعيته الصورية - مكرها لا بطلا- على ما يقومان به! ولا يسأل المكره عن أفعاله في الغالب. 

        أما المتهم الثاني، فلا وجه لمتابعته على الإطلاق. وذلك بسبب تبعيته لسيده ومسؤولية سيده - غير المسؤول- عن فعله.

قد تركن محكمتكم الموقرة إلى ما ثبت عن قاض فاضل حجة من أن القضاء عندنا اتهم وتابع حيوانا. وهذا الفقه ـ إن صح ـ لا يعدو كونه استثناء يثبت القاعدة المطلقة التي هي مسؤولية صاحب الكلب عن فعل كلبه. وإذا كانت محكمتكم الموقرة تشك في كلبية الكلب فهاهي ذي وثيقة الإثبات في حوزتي بالصور أقدمها إليكم. إنها أغنية "أطلق النار على الكلب" للمطرب البريطاني الشهير جورج مايكل.

        وأخيرا ها نحن نصل إلى المتهم الثالث أرييل شارون.

        سيدي الرئيس؛

السادة أعضاء المحكمة الموقرة؛

دعوني – أولا- أعرب لكم عن تقديري لعبقرية وصلابة رجل جمع ما للأولين والآخرين. فهو كما قال الشاعر:

وتعرف فيه من أبيه شمائلا     ومن خاله ومن يزيد ومن حجر

فيه من ذي القرنين سده، ومن نيرون حرقه لروما، ومن هتلر بغيه ونقاؤه العرقي وطموحه، ومن تشانغ كاي شيك إلغاؤه للتاريخ والجغرافيا! وعلى هذا الأساس  حظي الرجل - عن جدارة- بشهادة شاهد من أهله لا أعتقد أنكم تحتاجون إلى تزكيته أو تتجاهلون ما لشهادته من قيمة قطعية تضمن براءة المتهم وتجعله في منأى عن مواطن الشبهة والاتهام. إنها شهادة شيخ البيت الأبيض الذي زكى موكلي شارون نهارا جهارا وأعلنه رجل سلام؟.. فهل تمكن إدانة رجل سلام بارتكاب جرائم حرب؟

إنني أطلب له البراءة. وإذا رأت محكمتكم الموقرة خلاف ذلك - لأسباب غير عادية- فإنني أذكرها – احتياطيا- بمسألتين جوهريتين؛ أولاهما: أن الدعوى العمومية تسقط وتنقضي بوفاة المتهم. وقد توفي وانتهى هذا المتهم منذ مدة! والثانية: أنه لا تمكن معاقبة   مذنب مرتين على نفس الفعل. وقد قضي أمر الله الذي يمهل ولا يهمل! ومن الظلم أن يعقب أمره البشر.  

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. لم تلق المرافعة أمام المحكمة كما كان مفترضا لأن السلطات المصرية منعت الكاتب من دخول مصر فبقي عالقا في بيروت. وقد نشرت في العدد 252 من يومية "السفير" بتاريخ 8 فبراير 2006.

 2. الگزرة الاستيلاء على الأرض دون ترخيص رسمي. والأماكن المذكورة موجودة بالعاصمة انواكشوط؛ أما شمامه فهي المنطقة الطميية التي يجري فيها نهر السنغال.

(من كتاب "حتى لا نركع مرة أخرى")

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 9 زوار  على الموقع