قصتي مع الشيخ ولد بايه
السبت, 24 فبراير 2018 07:09

 

يعقوب ولد العالم    

altفي يوم 2005/11/24 قررت أن أنهي عملي ضابط متن علي إحدى البواخر الأجنبية عملت على متنها ثلاث سنوات، وكنت شاهدا على ما يقوم به ذلك الأسطول الأجنبي من نهب للثروة الوطنية، حتى وصل الأمر بملاك تلك البواخر إلى احتقار الدولة الموريتانية ومن يمثلها من "مفتشين" وبحارة وفرق البحرية الوطنية التي تأتي للتفتيش وإعطاء إذن الخروج للبواخر لتحط حمولتها المسروقة خارج الوطن.

ومما يؤلم أن البواخر الأجنبية لم تكن في تلك الفترة التي سبقت مجيء الشيخ للمندوبية تعترف أن الدولة الموريتانية صاحبة سيادة على مياهها الإقليمية.

أتذكر أننا في سنة 2004 خرجنا من المياه الإقليمية دون تفتيش أو إذن مرتين إلى إحدى الدول المجاورة لتفريغ الحمولة ثم العودة إلى المياه الموريتانية دون علم الدولة الموريتانية.

وفي 2005 كانت الراحة البيولوجية في تلك الفترة تقع في شهري سبتمبر وأكتوبر من كل سنة، وبعد نهايتها عدت إلى العمل على متن الباخرة الأجنبية فاتح نفمبر وفي تلك الفترة أصبح الشيخ على رأس المندوبية المكلفة برقابة الصيد بالتفتيش البحري (d.s.p.c.m) وعندما بدأنا العمل، وبحكم موقع عملي (غرفة القيادة) كان يتاح لي أن أسمع أحاديث قباطنة البواخر الأجنبية العاملة في موريتانيا وهم يتحدثون مع قائد الباخرة التي أنا على متنها، وكان حديثهم ينصب حول الشيخ، ولم أكن أعرف حينها صاحب هذا الاسم شخصيا، إلا أنني سمعت أنه أصبح مندوبا مكلفا بالرقابة البحرية بعد تولي المرحوم اعلي ولد محمد فال مقاليد السلطة في الوطن.

ومما يتحدثون به عنه أنه رجل جاد ومجد وصارم في عمله، وأن رجال الأعمال لم يتمكنوا من التأثير فيه أو إغرائه؛ مع الإشارة إلى أنهم حاولوا معه بكل الوسائل دون جدوى.

وأن المحيط الذي كانوا يجرون فيه شباكهم ذات العيون الضيقة المصنوعة من نوعية الخيوط المحرمة شرقا وغربا، شمالا وجنوبا؛ مرورا بالمحميات الطبيعية، وصولا إلى الشواطئ، لم يعد كما كان؛ وأنه من الأن فصاعدا عليهم أولا أن يعلموا أنهم يعملون في دولة تسمى الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ولها قوانين وشروط على من يريد الصيد في مياهها أن يحترمها، وأن لا يحاول بأي حال من الأحوال اللف والدوران، فمن ارتكب مخالفة فسيطبق عليه القانون الموريتاني ولا شيء غير القانون.

أعجبت بالرجل وبما هو عازم عليه وقد شاهدت ثروات بلادي تنهب وأبناء وطني يحتقرون في وطنهم، فقررت أن أنهي عملي على متن تلك الباخرة وأن أحاول اللقاء بالرجل على اليابسة.

وفي صبيحة يوم 2005/11/24  خرجت من المحيط إلى بر انواكشوط، فبدأت أفكر في الطريقة التي تمكنني من اللقاء بالمندوب الشيخ، وأنا لا أعرفه و لا أعرف من يعرفه، مع العلم أني لست ممن يملكون الوساطات والتدخلات التي تسهل لهم الطريق إلى من يريدون لقاءه.

وجدت من دلني على منزل الشيخ ولد بايه، فقررت الذهاب إليه بعد صلاة الجمعة، وفعلت ما قررته. دخلت إلى الدار فوجدت أحد العمال، سألته: هل الشيخ موجود؟ سمع هو حديثي مع العامل فسأل الشيخ العامل: من الذي يسأل عني؟ أجبته أنا نيابة عن العامل قائلا: أنا بحار قادم من البحر أريد الحديث إليك إن أمكن ذلك. رد علي أهلا بك.. انتظرني في قاعة الطيوف سآتيك حالا. أمر العامل أن يأتيني بالشراب والشاي،

ولم تمض إلا دقائق قليلة حتى دخل علي المندوب مرحبا قائلا لي: هات ما عندك. قلت: أنا ضابط متن(officier pont de peche) أعمل منذ ثلاث سنوات على متن إحدى البواخر الأجنبية، وعندي معلومات أريد أن أزودكم بها علها تساعدكم في عملكم الجبار الذي تقومون به منذ توليكم مهمة الرقابة البحرية. قال لي: انتظر قليلا. ذهب عني وعاد إلي مصحوبا بورقة وقلم. سألني عن اسمي واسم الباخرة التي كنت أعمل على متنها وعن رقم هاتفي.

سجل كل إجاباتي بدقة حتى إنه أمرني برسم مخطط للباخرة التي كنت على متنها محددا طولها وعرضها ومكان تخزين السمك وكيف كان طاقمها الأجنبي يتعامل مع الموريتانيين من بحاره ومفتشين إن وجدوا.

دوَّن كل المعلومات بجد، وقال لي: يمكنك أن تذهب. سأتصل بك لاحقا. ودعته وذهبت إلى زملاء لي لأكمل معهم بقية يومي، فسألني أحدهم: لماذا أنت على اليابسة وأهل البحر في البحر، وأنت منهم؟ قصصت عليه قصصي ولقائي بالمندوب، وأنه أخذ رقم هاتفي ليتصل بي لاحقا. ضحك صاحبي وعلق قائلا: لن يتصل بك، لأنك لا تعرفه ولا تعرف من يعرفه. قلت له: حسنا.. سنرى.

في مساء اليوم الثالث بعد لقائي بالشيخ رن هاتفي. استقبلت المتصل وأنا لا أعرف من هو، فحياني بتحية الإسلام ثم خاطبني قائلا: ذاك يعقوب؟ قلت له: نعم، قال لي: معك الشيخ ولد بايه المندوب. هل أنت في انواكشوط؟ أجبته بنعم. سألني: هل عندك ملابس تصلح للبحر؟ أجبته بنعم. قال لي تجهز الساعة السادسة صباحا وكن عندي في المنزل.

نفذت ما أمرني به وجئت إلى منزله فاستقبلني شخص وأدخلني إلى قاعة الضيوف وجاءني بإفطار ساخن مصحوب بكلمات ترحيب وأن الشيخ سيأتيني بعد قليل.

دقائق ودخل المندوب وألقى علي التحية ثم حدثني قائلا: سيأتيك ضابط من البحرية الوطنية ذاكرا اسمه (أتجنب ذكر اسمه لأنه ما زال في الخدمة) ويذهب بك إلى باخرة تابعة للمندوبية لتذهب على متنها في مهمة تفتيش أكلفك أنا شخصيا بها.

أوصلني الضابط إلى قائد الباخرة الذي لا أريد ذكر اسمه لأنه ما زال يخدم في البحرية الوطنية كما أني لا أريد أن أذكر اسم الباخرة).

استقبلني وأبحرت معه وقمت بالمهمة التي أسند إلى الشيخ على أحسن وجه، ولما رجعت إلى انواكشوط اتصل بي مهنئا وشاكرا. ومن هنا بدأت علاقتي بالرجل فعرفت فيه الصدق والصراحة وعدم المحاباة، وحبه لمن يتقن عمله، والصرامة والتضحية من أجل موريتانيا.. كل موريتانيا.

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 1 زائر  على الموقع