إلى "أحرار موريتانيا"
الجمعة, 04 سبتمبر 2015 08:39

 

altإخوتي "أحرار موريتانيا"،

بعد التحية والتقدير،

وصلتني رسالتكم الألكترونية الكريمة التي تدعونني فيها إلى الانضمام إليكم فيما قررتموه من "التحرك سلميا لتغيير النظام الجاثم على صدور الموريتانيين وفك قبضة الجيش عن السلطة الموريتانية منذ 1978 وتأسيس دولة ديمقراطية مدنية لا مكان فيها للظلم أو الرشوة أو القبلية".

وأنا إذ أشكركم على هذه الثقة، وعلى اهتمامكم بالشأن العام واستعدادكم للتضحية من أجل الوطن، وأبارك ما ذكرتموه من تجاوزكم لمختلف الفوارق القائمة بينكم، لا يسعني ـردا على ندائكم ـ إلا أن ألفت انتباهكم الكريم إلى مجموعة من الحقائق تتعلق بضرورة "تصحيح البدايات" وبالتواصي بالحق، أهمها:

1.  أني أعتقد ـ من حيث تحليل الأوضاع الموريتانية الراهنة ـ أن السلطة ليست اليوم بيد الجيش الموريتاني، ولم تكن بيده في الأمس إلا في أوقات نادرة، وخاصة في المرحلة التي حددتموها بالذات 1978. ذلك أن الانقلاب الذي جرى آنذاك لم يكن انقلابا عسكريا بل كان انقلابا مدنيا دبره فريق الأعمال الناشئ المنحدر من رحم العشائر، والمرتبط بالاستعمار الغربي، مستغلا ظروف حرب الصحراء وعلاقات بعضه الأسرية والجهوية بأفراد قلائل من قادة الجيش، ضد إرادة الجيش وضد الاتجاه الوطني الإصلاحي الذي كان مهيمنا في البلاد. وقد حقق المنقلبون يومئذ هدفين أساسيين هما: السيطرة على الجيش واختطافهوامتلاكه أداة تحمي نظامهم الفاسد، والجمع بين الأختين: السلطة والثروة. ذلك الجمع الذي ظل الرئيس المرحوم المختار ولد داداه يرفضه ويقمعه حتى آخر يوم من عهده. وقد ظلت جميع الانقلابات العسكرية والمحاولات الانقلابية التي عرفتها البلاد (6 إبريل 79، 16 مارس 81، 12/12/84، 8/6/03، 3/8/05، 6/8/08) تضع على رأس أولوياتها استرجاع الجيش لزمام أمره، وفك الارتباط بين السلطة والثروة. وكانت آخرة نظام 10 يوليو 1978 "العسكري" بجميع طبعاته أن فكك وحطم الجيش، فأصبح في ظله اسما بلا مسمى. (انظروا "أزمة الحكم في موريتانيا": تشبث الجيش بالسلطة، أو الانقلاب الدائم ضد الشعب، ص 207 وما بعدها).

2.  أن الذي بيده السلطة اليوم، وبالدرجة الأولى، ليس الجيش بل الرئيس محمد ولد عبد العزيز وصحبه المتكئين على شرعية حركتي 3/8/05 و6/8/08، وانتخابات 09 التي جرت في ظروف حسنة في ظل حكومة ائتلافية ووزير داخلية من المعارضة، ومحاربة الفساد والتهميش، وغسل عار العلاقات المذلة الآثمة مع إسرائيل والخضوع لأمريكا والانتماء لمنظومتها. وقد حققوا إنجازات مهمة لامست شغاف قلوب الموريتانيين؛ كما أطلقوا الحريات الأساسية: حرية التعبير والتجمع والتظاهر وحرية التنظيم، ورأبوا صدع الوحدة الوطنية، وأعادوا بناء الجيش وتسليحه، وبسطوا يد الدولة على كافة تراب الوطن.

3.  ومع ذلك، فلا يشكل حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز وصحبه فترة ذهبية وعهدا نموذجيا صالحا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بل هو مجرد بداية حسنة، وثغرة في دفاعات الفساد المعشش منذ ثلاثين سنة، وخروج على نظام الحزب الجمهوري الذي ما يزال قائما بأسسه وأساليبه ومؤسساته ورجاله.

4.  وفي وضع كهذا، ما هي مهمة أحرار موريتانيا؟ أهي التحرك في مواجهة عدو وهمي هو "فك قبضة الجيش"؟ الأمر الذي يخدم ويثلج صدر النظام الفاسد المخيم وحلفائه: الإرهاب وإسرائيل وأمريكا! أم إن عليهم التحرك العاجل مستغلين كافة ميادين الحرية المتاحة في اتجاه آخر هو: خلق قطب سياسي وطني معارض جديد يراقب ويحاسب السلطة الوطنية الوليدة، ويسعى إلى تعزيز المكاسب الوطنية، ويعجل تفكيك وكنس نظام الفساد الذي يتكيف الآن ويستخدم ألف وسيلة ووسيلة من أجل البقاء والالتفاف على روح حركة الإصلاح التي نشأت مع 3/8/05 وانبعثت من رمادها في 6/8/08 بعد أن تم اغتيالها ووأدها، ويخلق الشروط الملائمة لإرساء دولة المؤسسات الديمقراطية وحكم القانون بدل دولة الفرد أو الشلة؟

في اعتقادي أن الخيار الأخير هو الأصوب والأسلم. وقد مالت إليه أخيرا بحق حركة "من أجل موريتانيا" في برنامجها الجديد المناوئ لـ"التوجهات الدكتاتورية".

5.  وإذا لم يكن هذا الطرح واضحا أو مقنعا في نظركم، وفضلتم المضي في تحرككم الهادف إلى مواجهة "فك قبضة الجيش" بدل التعاون مع السلطة القائمة والجيش على فك قبضة نظام الفساد وحلفائه. فإن من واجبكم ـ بادئ ذي بدء ـ أن تضعوا خطا فاصلا وواضحا وصريحا بين تحرككم بصفتكم أحرارا وطنيين وبين "تحرك" أوساط سياسية واجتماعية ناشطة في سبيل ترميم وإعادة إنتاج ما اضمحل من نظام الفساد، ومرتبطة ومدعومة من لدن قوى عدوة تعمل على خراب موريتانيا هي أساسا تحالف القاعدة في المغرب العربي وأمريكا وإسرائيل.   

 

وفي الختام، أرجو أن تتفضلوا بقبول فائق احترامي وتقديري، وأسأل الله لي ولكم التوفيق لما فيه خير الوطن والمواطنين، وأدعوه عز وجل لي ولكم دعاء فتية الكهف: ﴿ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا﴾.

محمدٌ ولد إشدو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع