من تاريخ الكادحين ( 19)
الجمعة, 18 يونيو 2021 09:08

 

بقلم بدن عابدين (رحمه الله)     

altمهمة عاجلة فى روصو

من عواجل المهمات ما زلت أتذكر أنه بعدما جنّ علينا الليل في مدينة انواكشوط استدعيتُ على عجل الرفاق؛ محمود رياض وبوبه ولد الطيب، والداه ولد سيد الامين؛ وهم من أشِدّاء رجال المهمات الخاصة عندنا.

دار الحديث حول ضرورة تحويل سريع لصناديق حديد تحوي وثائق وأغراضاً من الدرجة الأولى في السرية والخطورة من مدينة روصو إلى مخابئ المنظمة في كبات انواكشوط الأكثر أمناً وتحصيناً.

بوبه ولد الطيب شاب في ربيع العمر مُتحمّسٌ نشط، صبور وجلدٌ، ماهرٌ في سياقة السيارات، عزمه حديد، تصميمه لا يعرفُ الوهنُ إليه سبيلاً، متشبعٌ بأفكار الكادحين، وهب حياته للشعب المظلوم!

أخذ الكلام في الاجتماع وقال: أنا آتيكم بالسيارة وهي جاهزة لأداء المهمة على الوجه الأكمل وأضاف: عمي غيثى ولد عبد الحي (تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته) عنده سيارة لشؤون الأسرة سأطلبها منه، وأنا متأكدٌ أنه سيسمح لي بأخذها وسأردها فجراً بعد أداء المطلوب!

كان المغفور له غيثي عبد الحي عضواً في المكتب السياسي لحزب الشعب، عُرِف بالشهامة وبالكرم وبالحكمة وسداد الرأي.

أما المتحدثُ الثاني فكان الرفيق محمود رياض؛ وهو من خيرة الكوكبة القيادية في مجموعة المهمات الخاصة، وهو شاب نذر حياته كلها للبؤساء والمهمشين. شجاعٌ قلبه قلبُ أسد!

أعطى محمود رأيه حول الخطة بتفاصيلها.

أما ثالث الحاضرين فسبق لي أن تحدثتُ عنه في الحلقة التاسعة من تاريخ الكادحين كُتب له النجاح في جميع المهمات التي أُسندتْ إليه خلال سنوات الجمر والتحدي!

أجبته على سؤال سابق في سلسلة ما كتبتُ عن الكادحين:

"أخي العزيز الداه سيد ألمين، أحييكم وأثمن عالياً ما قمتم به أيام كُنتُم إطاراً بارزاً في المهمات الخاصة. وهبتم حياتكم، شبابكم الغالي، ليلكم ونهاركم إعلاءً لمصلحة المهمشين ومن لا نصير لهم إلا الله.

أنا شاهدٌ - والله على ما أقول وكيل- وكفى بالله شهيدا، أنكم أخلصتم خدمةً للشعب الموريتاني بجميع مكوناته، لا تأخذكم في النضال لومةُ لائمٍ، ولا تعرف تضحياتكم الجمة حدوداً ولا توقفاً."

وافق الجميع على الشروعِ في العمل وصمموا على الفوز! وفقاً لمبدأ

"في الجُبْنِ عارٌ وفى الإقدامِ مكرُمةٌ ** والمرْءُ بالجبْنِ لا ينجُو من القدرِ."

بدأنا المسير نحو روصو، تستغرق الرحلة ساعتين أو تزيد قليلاً. عبرنا جميع نقاط التفتيش دون عناء. أخذ تجهيز الحمولة الخطيرة بروصو بعض الوقت، أدخلنا شياهاً كانت تُسْتخدم في المنطقة غطاءً لبعض الأماكن ركبتْ بهدوء مع صناديق المحظورات، وبدأنا الخروج من المدينة متوجهين صوب انواكشوط. عند ملتقى الطرق القريب من السوق أوقفتنا فرقة من الشرطة صوبوا الأضواء الكاشفة على بضاعتنا قلتُ لهم

إن الجو ساخنٌ لذا اضطررنا للخروج في الوقت المتأخر هرباً من الطقس الساخن! لكن باعتقادي وجود الشياه وصغارها ساهم في إقناع المفتشين بأن الأمر لا شُبهة فيه، فأذنوا بالمرور!

في الطريق الى العاصمة انواكشوط تجاوزنا بسهولة نقاط التفتيش الأمني، ولما اقتربنا من مدخل العاصمة الجنوبي أطفأنا الأنوار لنصل لأقرب نقطة من المخابئ، تفادياً لنقل الصناديق عبر مسافة طويلة نظراً لوزنها الثقيل.

بينما نحن سائرون على الطريق في الظلام الدامس وفى صمتٍ ثقيل إذ فوجئنا بأضواء كاشفة تُعمى البصر مصدرها دراجتان للدرك كدنا نتجاوزهما دون علم! بادرتُ أول من وصلنا من الفريق بسؤال عما إذا كان عندهم بعضُ البنزين (إصانص) لأن سيارتنا نفدت منها هذه المادة، ولذا أطفأنا الأنوار اقتصادا. وهو مبرر أوْهنُ من بيت العنكبوت! لكنه أقنع رجل الأمن فاعتذر قائلا بأدب: دراجاتنا تستخدم خليطاً من الزيت والبنزين لا يصلحُ استخدامه في السيارات العادية.

وعندما أمرنا بالمرور سمعتُ زميله الواقف على جانب الطريق الأخر يُردّدُ مستغرباً لا علاقة لضوء السيارة باستهلاك البنزين! وهو على حق، لكن فات الأوان وسلمتِ الطرود وسرّها الدّفين!

أنزلنا الحمولة على مقربة من المخازن السرية وخبأناها عن الأعين وعدنا الى قواعدنا سالمين.

يتبع بحول الله

نقلا عن معالي الوزير عبد القادر ولد أحمدو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع