تجربة
السبت, 21 ديسمبر 2019 07:43

 

altتخليدا ليوم اللغة العربي العالمي (18 من دجمبر) نظم بيت الشعر مساء الخميس الماضي (19 من دجمبر) أمسية ثقافية تحت عنوان "تجارب مثمرة" ألقى خلالها الأستاذ محمدٌ ولد إشدو ألقى محاضرة عن تجربته في هذا المجال؛ ننشر نصها أدناه:

بعد طفولة صعبة عاصرت نهاية الحرب العالمية الثانية أو السنة الأخيرة منها، وتذبذبت بين شظف العيش في كنف الأخوال في البدو ولينه مع الأعمام متوسطي الحال في متجر متوسط بمدينة روصو، ومحاولة تمدرس في المذرذره أجهضها حفاظ وكيد الأخوال، وتعليم أهلِيٌّ قصير أطاح به نهب حلوبة صيح في حجراتها شمال "لمناحر"؛ وما نجم عن ذلك من تمرد على نموذجي الحياة البدوية والتجارة، التحق هذا الطفل بمدينتي سان لويس ودكار تطفلا على إرهاصات الحياة العصرية التي بدأت خيوطها مع بدايات الدولة في نهاية الخمسينات. 

وهنا يمكن القول بأن الجزء الواعي من هذه التجربة بدأ في سنتي 58 و59 حيث عمل "وگافا" في ثلاثة متاجر صغيرة بسان لويس كانت غير بعيدة من مختبرات أجنة السياسة والثقافة في حيي "لوضه" و"سندونه" فكان يقرأ ما يجده من جريدة موريتانيا الجديدة، ويستمع أحيانا إلى إذاعة موريتانيا من محطة اندر، ويتردد على مفتشية التعليم العربي التي يقودها الأفغاني ذو الغليون الكبير عكاري، ومكتبتها الغنية. يومها كان لديه رصيد من المعرفة تمثل في 20 حزبا من القرآن العظيم، والإلمام الستي وديوان المتنبي، وشيء من السيرة كنظم الغزوات وقرة الأبصار ونور الأبصار!

        وفي مكتبة سندونه تعرف على الشيخين الجليلين الرائدين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، عن طريق  تلميذهما الشيخ محمد رشيد رضا، كما استصحب جواهر الأدب الذي كاد يحفظه؛ والذي أكل به الخبز!

        وفي سنة 1959 شارك في مسابقتي المعلمين والقضاة ونجح فيهما، فاختار القضاء بسبب الابتعاث!

        وهنا بدأت الرحلة الحقيقية (انظروا كل طرقي تؤدي إلى تونس) وأخذت فصول الحكاية تترى!

ونظرا لضيق الوقت، وطبيعة بيت الشعر الأدبية، فلن نتناول جوانبها السياسية والقانونية إلا لماما عبر بعض النصوص الأدبية.  وسوف نركز على الجانب الأدبي، وعلى الشعر خصوصا.

لقد بدأت حكايته مع الشعر منذ نعومة أظافره حيث أحبه حبا جما، وحفظ الكثير منه، وبدأ يقرض البيت والبيتين والقطعة؛ غزلا، ومدحا، وهجاء، لا لنيل؛ بل لترسيخ قيم والذب عن شيم وهو ما يزال طفلا. وقد ساعده في ذلك محيطه الشاعر من أخوال وأعمام، وأم أديبة وراوية. ونفس الشيء جرى له مع الشعر الحساني "لغن" فكل أهله يقرضون "لغن" يضاف إلى ذلك اختلاطهم الوثيق بمدرسة لحركات الشرقيين الذين حفظ الكثير من أدبهم الجميل الراقي!

... يتذكر الآن أن بعثة القضاة لما حلت بمرسيلية في طريقها إلى تونس نظمت لها القنصلية رحلة بحرية؛ كان البحر مضطربا، وكان علماء وأدباء الصحراء يخافون البحر، ويحاذر بعضهم بعضا لفارق السن، واختلاف المشارب، وعدم الألفة؛ حيث لم يلتق بعضهم ببعض إلا منذ أيام قليلة، فحزم الطفل أمره وكتب بيتين ألقى بهما إلى البحر أو إلى من كان يظنه البحر، وهو فعلا بحر زاخر: الفتى الشيخ محمد سالم ولد عدود وهما:

ترفق بنا يا بحر وارأف فإننا ** بُناة بلاد يختشي ضيمها البحر

وفينا بحور هابها كل أطلس ** محيط ومنها السيد الماجد البحر.

فرد عليه الشيخ محمد سالم فورا، وكتب على نفس الورقة منبها إياه أن البحر أخوه الأكبر:

أرى في بحور الشعر رأيك مقسطا ** جعلت الطويل الأبيض المتوسطا

فأخرجت در البحر والبحر زاخـــر ** بغـوصـك فيــه آمنــا متبسطـــــا.

        بيد أن رحلته الحقيقية مع الشعر والأدب لم تبدأ بالفعل إلا سنة 1964 أي مع اعتناقه الفكر القومي ومع قصيدة "رسالة الشباب". ومن غريب الصدف أن هذه القصيدة التي مثلت باكورة هذه الرحلة تم إلقاؤها في آخر مؤتمر لرابطة الشباب الموريتاني: إنها إذن نهاية حقبة وبداية أخرى!

        وبعد "رسالة الشباب" تسلسلت العناوين: نشيد العروبة، رسالة إلى الرئيس أحمد بن بلله، رسالة إلى ابنته جميلة، رسالة إلى رفيق، وغيرها.

        ولكن ما يثير اهتمام جل الباحثين في هذه الفترة ليس المضمون بقدر ما ينزعون إلى الشكل؛ أي ميلاد أول قصيدة حرة في هذه الربوع؛ وهي قصيدة "طابور" التي سأقرؤها لكم، مع أنها ليست الوحيدة في هذه الفترة؛ حيث توجد لها أخوات في "أغاني الوطن". ومما تجدر ملاحظته هنا أيضا أن هذه الفترة عرفت ميلاد المسرحية على يده (ليلة القدر) والرواية (الطريق) والقصة القصيرة (فاطمة، والطاولة العرجاء) والصحافة السياسية الحرة (موريتانيا الفتاة، ثم صيحة المظلوم) والدعوة إلى إلغاء العبودية (ملك الإنسان للإنسان) وإن كان الزعيم محمد الحنشي ولد محمد صالح (رحمه الله) قد سبقه في هذا المجال.

        وقد عرف الشعر الحديث على يديهما الشاعر أحمدو ولد عبد القادر وهو (منذ أن اعتزله الشاعر محمد المصطفى بدر الدين لصالح السياسة) تطورا وتجذرا عميقا خلال فترة بزوغ الحركة الوطنية الديمقراطية وحزب الكادحين، فقد كانا قبل أن يلحق بهما الركب ثنائيا على غرار شوقي وحافظ! كان أحمدو الشاعر، وكان هو المتمرد أو الثائر! ومن أبرز قصائد هذه المرحلة: "لمن المستقبل؟" و"أطفالنا يتساءلون".

        وجاءت فترة انهيار الحلم الوطني مع يوليو 1978 وما واكبها من معاناة وعسف، وكانت من أبرز قصائدها: التيشيتيات والتلمسيات.

        وبعدها كانت حقبة ديمقراطية العسكر وهيمنة رعاة البقر؛ ومن أبرز قصائدها طغراء، وبالأحضان، وهات المدامة، وهزلت، وبادوا، وقسما بالحرمين، وفي رحاب شكسبير، وسلام على الفيحاء، وصقر مغفر، ودليلتي.. إلخ.

        وتجسد جميع قصائده علاقة الشعر عنده بالشأن العام؛ أي التزامه بقضايا الوطن والشعب. فالشعر عنده كما عند آخرين مأساة أو لا يكون! وغضب طالت أظافره، لا فأر يعيش على فُتات موائد كرام أو لئام! فللشعر والفكر والإعلام رسالة، وهذه هي الرسالة. و﴿ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه﴾!

        أما علاقة شعره بالقانون والدفاع فقد تجسدت في مناسبات متفرقة عبر قطع وأبيات، نذكر من بينها:

كنت ممن إلى الحقوق يتوق..

وسافو

وحاشى المحاكم.. الخ،

وقضاؤكم مولاي..

وأقوى من الدفع..

ودليلتي

وتبقى كلمة ختام حول علاقته بالشعر مقتطفة من تمهيده لأغاني الوطن حيث جاء:

"فأنا لست شاعرا يستحق شعره النشر، ولم أمتهن الشعر قط.. رغم شغفي به وقرضي له منذ صباي!

يضاف إلى ذلك أن المصير الذي آل إليه الشعر  - كغيره من القيم - في "بلاد المليون شاعر" في عهد الانحطاط جعلني أبتعد أحيانا عن ساحته الغراء.. أو أجعله - إن نزل - حديث النفس للنفس.. فعلاقتنا - في أغلب الأحيان - علاقة حميمة: من دون الجميع أبثه أحزاني، وأشكو إليه همومي، وأرسم به بعض اللوحات التي أريد لها الخلود!"

شكرا لكم على تحملكم وسعة صدوركم!

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

فيديو

الآن في المكتبات

فيديو

المتواجدون الآن

حاليا يتواجد 10 زوار  على الموقع