الرئيس سليم الحص: "اجعلوا البوصلة دائماً نحو تحرير فلسطين.. كل فلسطين"
تعقيبا على ما سمي "صفقة القرن" صدر عن الدكتور سليم الحص رئيس وزراء لبنان الأسبق البيان التالي:
بيروت في 2020/01/29
بالأمس أطل علينا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمشهد هوليودي استفز مشاعر العرب مسلمين ومسيحيين، ويصح فيه القول إنه مشهد مهين للشرعة الدولية؛ ضارباً عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة، معلناً عما يسمى بصفقة القرن للسلام بين الفلسطينيين والعدو الإسرائيلي وكأن السلام بحاجة إلى صفقه بمثابة جريمة نكراء، لأنها أهدرت حق شعب وطمست أنبل قضية وجدانية وتلغي وطنا عربيا اسمه فلسطين.
وبإعلانه عن الصفقه الجريمة بدا الرئيس الأمريكي متفاخراً بجريمته وكأنه ملك على غابة بلا قوانين، يمتلك حق الضم والفرز لتوزيع أرض فلسطين التاريخية كما يحلو له وبما يخدم المحتل الإسرائيلي.
لا غلو في القول: لقد خذلنا بعض العرب بحضورهم ذاك الإعلان عن الصفقة المقيتة، وكأن فلسطين صارت عبئاً عليهم، وإنهاء قضيتها بات يتقدم أولوياتهم؛ جاعلين من العدو الإسرائيلي المحتل لأرض فلسطين حليفاً وصديقاً.
وأمام هذا المشهد المقزز نقول إن بيانات الشجب والاستنكار لم تعد تجدي نفعاً، لأن تمادي الاحتلال الإسرائيلي المستمر في هضم الحق العربي مدعوماً بصلف أمريكي وموافقة بعض العرب أضحى أمرا عادياً، والعياذ بالله.
انطلاقاً من واجبي القومي وبضمير عروبي خالص أتوجه للإخوة الفلسطينيين لأقول:
إن فلسطين هي القضية الساكنة في القلب والوجدان، لأنها بوصلة الأحرار في العالم.
فلسطين تتكالب عليها قوى الشر والظلم بتواطؤ فاضح من بعض الدول العربية, تارة عبر مبادرات أثبتت عقمها, أو الشروع بمفاوضات مع العدو المحتل لم تؤت أكلها, أو عبر صفقة القرن التي أقل ما يقال فيها إنها "اغتصاب القرن" وكل ذلك بهدف إنهاء القضية والحقوق الفلسطينية..
أيها المناضلون في فلسطين..
لا تعولوا على المبادرات الدولية؛ فالدول تحكمها لغة المصالح، ولا تفاوضوا محتلا غاصبا؛ لأن المحتل لن يقدم أي تنازل طالما بقي قوياً، فهو الذي احتل أرضكم واغتصب حقوقكم وهدم منازلكم، وشرد أهلكم، واعتقل المناضلين؛ مصراً على قهركم، مزوراً التاريخ، ساعياً إلى رسم خريطة جديدة للمنطقة، بحيث تلغى منها فلسطين التاريخية!
ها هو ترامب نراه لاهثاً خلف مشروع تهويد القدس بتغيير هويتها العربية؛ ملغياً صفحات التاريخ إرضاء لعدو مغتصب.
أيها الفلسطينيون المقاومون..
اعتمدوا فقط على سواعدكم في مقاومة الاحتلال، وحصنوا وحدة موقفكم من أجل إنهاك قوة المحتل وتقطيع سبل احتلاله، وتذكروا أن سلاح الموقف هو أمضي سلاح.
أيها الأشاوس في فلسطين..
إن الحق المغْتَصَب لا يُستًرد بالمفاوضات، ولا بصفقات سلام مذلة؛ بل إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، فلا سلام ولا مساومة ولا اعتراف بمحتل غاصب..
إن فلسطين ستبقى قضية الأمة تتوارثها الأجيال؛ أما القدس فتمثل نبض القضية وروحها الجامعة للأديان السماوية..
إن هول ما تتعرض له فلسطين من تواطؤ وتآمر يجب أن يكون سبباً في التئام الموقف الفلسطيني وإنهاء الانقسام الفلسطيني الحاصل فوراً ودون أي تلكؤ؛ تلبية لإرادة الشعب الفلسطيني المتمسك بالمقاومة والانتفاضة ضد المحتل، وذلك لمواجهة ما يحاك ضد فلسطين التاريخية وشعبها الأبي، وبما يضمن إسقاط الصفقات ومنع حصول "اغتصاب القرن" المعلن في أمريكا بتواطؤ عربي فاضح.
أيها الإخوة..
إن دماء الشهداء الأبطال أمانة في أعناقنا، فلا تدَعوا دماء الشهداء الزكية تذهب هدراً أو هباء منثورا؛ بل اجعلوا من تلك الدماء التي سالت لأجل فلسطين، ومن أرواح الشهداء التي قدمت فداء لفلسطين مشعلاً يضيء درب انتفاضة مجيدة ضد العدو الإسرائيلي، وذخيرة تقاومون بها المحتل الغاصب لنيل الحرية. ولتكن رسالة فلسطينية بأنكم شعب يستحق الحياة بكرامة فلا تخذلوا الشهداء، وحافظوا على العهد والوعد، ولا تخذلوا الأجيال القادمة، واجعلوها تفخر بكم وبنضالكم، واجعلوا البوصلة دائماً نحو الهدف المنشود؛ وهو تحرير فلسطين.. كل فلسطين، من عدو مغتصب.
أحبائي الأبطال في فلسطين..
أقول لكم، وإني على يقين مخلص لفلسطين:
إن ضاعت القدس ضاعت كل فلسطين وإن ضاعت فلسطين ضاعت الأمة العربية وضاع معها تاريخها وعزتها وكرامتها.
مدينة القدس فيها ولد السيد المسيح، وفيها عرج محمد رسول الله، وفيها تلتقي الأديان وعظمة الرسالات الإلهية التحررية إيمانا وانتصاراً للإنسانية؛ فالقدس هي قطب الرحى.
أيها الفلسطينيون الأبطال..
أنظارنا شاخصة نحوكم نتطلع إليكم ننتظر شرارتكم لإشعال الانتفاضة العارمة بوجه العدو الغاصب؛ رفضاً لكل الاتفاقات والصفقات، دفاعاً عن فلسطين ونصرة للقدس. فاتحدوا وانتفضوا وقاوموا الاحتلال، واجعلوا من انتفاضتكم ومقاومتكم آية تُدرّس في كُتب النضال المشرّف، لتبقى فلسطين عربيه الهوية وعاصمتها الأبدية القدس الشريف؛ شاء من شاء وأبى من أبى. ومهما بلغت التضحيات.
في الختام أقول لكم:
من تخلى عن فلسطين تخلى الله عنه وهزمه.
ومن أعز فلسطين أعزه الله ونصره. وإنني على ثقة أن فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر ستبقى في ضمائرنا وفي وجداننا عربيه الهوية حرة عزيزة مهما طال الزمن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سليم الحص