لماذا هذا التجني على الشعب الفلسطيني؟

الفلسطينيون ليسوا ملائكة، ولكنهم أيضاً ليسوا شياطين كما يحاول بعض العرب تصويرهم أسوة بالصهاينة. إنهم كبقية شعوب الأرض لهم أخطاؤهم وزلاتهم، وشعب يواصل النضال والمعاناة لمدة مائة عام في مواجهة عدو كالحركة الصهيونية وكيانها المدعوم تاريخياً من دول الغرب الاستعماري وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، شعب خسر أرضه بسبب حروب خاضتها جيوش عربية وانهزمت فيها، هذا الشعب وقياداته المتوالية لا بد أن يواجه في بعض المراحل التاريخية أحداثاً تدفعه لاتخاذ مواقف لا ترضي جميع الدول والتنظيمات العربية المتصارعة أصلاً مع بعضها البعض؛ بما فيها دول عربية شقيقة لم يكن الفلسطينيون يتوقعون أو يتمنون أن يختلفوا معها كما هو حاصل اليوم.

ما كان الفلسطينيون يرغبون في وصول العلاقات الفلسطينية الخليجية - وخصوصاً مع العربية السعودية ودولة الإمارات- لهذا الحد، لأن الفلسطينيين كانوا - وما زالوا- يؤمنون بأن قضيتهم لن تحل حلاً عادلاً إلا بدعم ومساندة الأشقاء العرب، وأن أي تحالف فلسطيني عربي أو إقليمي لن يكون ذا جدوى دون المملكة العربية السعودية ومصر أو إذا كان معاديا لهما.

إلا أن ما آلت إليه الأمور من تدهور في العلاقات الفلسطينية مع بعض الدول العربية وسماح إعلام هذه الدول - وخصوصاً العربية السعودية والإمارات- لشخصيات بالتطاول على الشعب الفلسطيني، كما فعل الأمير بندر بن سلطان عبر قناة العربية، تستحضر التساؤلات التالية: لماذا هذا التحامل الآن من بعض الأشقاء الخليجيين على الشعب الفلسطيني؟ وهل التطبيع مع إسرائيل يحتاج بالضرورة لتشويه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة التي تعترف 140 دولة بها وبحق الشعب الفلسطيني في أن تكون له دولة مستقلة على أرضه؟ وهل الفلسطينيون قصروا بالفعل في مواجهة الكيان الصهيوني وضيعوا فرصاً للسلام كما يزعم المتحاملون عليهم؟

كتبنا منذ فترة مقالاً بعنوان "طبعوا إن شئتم، ولكن ليس على حساب الشعب الفلسطيني" ومقالات أخرى عديدة سابقة ولاحقة حول نفس الموضوع، ونكرر مرة أخرى ما تمنيناه على الأشقاء العرب، حيث قلنا: إن أردتم أن تعترفوا بالكيان الصهيوني وتطبعوا معه فهذا من حقكم، ولن نحاججكم بمفاهيم الانتماء القومي والمصير العربي المشترك ومسؤولية العرب عن ضياع فلسطين، ولا حتى بالمبادرة العربية للسلام التي صدرت عن قمة عربية.. الخ، ولكن نرجو أن لا يكون سقف مواقفكم أدنى من موقف الدول الأجنبية والغربية غير العربية وغير الإسلامية، التي لها علاقات مع دولة الاحتلال ولكنها لا تسيء للشعب الفلسطيني؛ بل تحترم تاريخه النضالي وكفاءته، ولا تشكك في الرواية الفلسطينية، كما تتمسك بالحل العادل الذي يقوم على فكرة حل الدولتين.

الخطورة في نهج بعض الدول الخليجية اتجاه الصراع الفلسطيني/ العربي مع الكيان الصهيوني أنه لا ينطلق من حكم الضرورة السياسية أو المصلحة الوطنية لبلدانهم، كما هو الحال مع مصر والأردن، حيث طبَّع النظامان مع إسرائيل من موقف الاقتدار، وبحكم الضرورة، دون الإساءة للشعب الفلسطيني أو التشكيك في عدالة قضيته، ودون ممارسة كي الوعي على الشعب لتغيير قناعاته اتجاه الصراع مع الكيان الصهيوني؛ بل جاء التطبيع الخليجي خضوعاً لإملاءات أمريكية، وانطلاقاً من وهم عند بعض النخب بأن هذا الكيان الصهيوني قد يشكل شبكة حماية من الخطر الإيراني ومن أية قلاقل داخلية.

أما مقولة إن الفلسطينيين فرطوا في أرضهم وحقهم وقصروا في واجبهم اتجاه قضيتهم، فنحن لا ننكر وجود أخطاء وتجاوزات تمت ممارستها خلال مائة عام من النضال الفلسطيني، ولا ننكر سوء الوضع الفلسطيني الداخلي بسبب الانقسام.. ولكن ما آلت إليه القضية الفلسطينية ليس لخلل في النظام والأداء الفلسطيني؛ فمنذ منتصف الستينيات وحتى السبعينيات والثمانينيات مارس الفلسطينيون العمل الفدائي باقتدار وحظوا بدعم وتأييد غالبية دول العالم، واعترفت الأمم المتحدة بمنظمة التحرير، واستقبلت رئيسها أبا عمار عام 1974 وما كان الرئيس الأمريكي كارتر يطرح على الأمير فهد الاعتراف الأمريكي بمنظمة التحرير مقابل اعتراف المنظمة بقراري مجلس الأمن 242 و338 كما يقول الأمير بندر بن سلطان لولا هذه المقاومة الفلسطينية،  وخلال مسيرتهم الكفاحية استشهد وجرح وأُسر مئات الآلاف، كما قاموا بانتفاضتين داخل الأراضي المحتلة. وعندما طرح العرب بداية فكرة التسوية السياسية ساندها الفلسطينيون، وكانت بداية الفكرة سعودية مع مبادرة الأمير فهد في قمة فاس في المغرب 1981 /1982 كما شاركوا في مؤتمر مدريد للسلام 1991 ووقعوا اتفاقية أوسلو مع إسرائيل، والتقى الرئيس أبو عمار - ومن بعده أبو مازن- الرؤساء الأمريكيين والإسرائيليين من أجل السلام، وما زال الرئيس أبو مازن متمسكا بالحل السلمي ويرفض العنف والإرهاب، والفلسطينيون لا يطالبون إلا بتطبيق قرارات الشرعية الدولية؛ حتى وإن اقتصرت على قراري 242 و338 اللذين يزعم الأمير بندر بأن الفلسطينيين يرفضونها.

إذن المشكلة ليس في الفلسطينيين؛ بل عند الإسرائيليين الذين لا يريدون الموافقة على قيام دولة فلسطينية، لا عن طريق المقاومة والجهاد ولا عن طريق التسوية السياسية، ولا يريدون الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية الصادرة عن غالبية دول العالم.

فأين قَصَّر الفلسطينيون؟ ولماذا يتم تحميل الفلسطينيين المسؤولية وتبرئة الكيان الصهيوني؟

إن تفسير هذا التشهير بالشعب الفلسطيني والتجني عليه ظلماً وعدواناً ليس لأن الشعب الفلسطيني وقيادته منكرون للجميل ومعادون لدول الخليج كما يزعم الأمير بندر وبعض الإماراتيين؛ بل لأسباب سعودية وخليجية داخلية. فالشعب العربي المسلم في الخليج عموماً مساند في غالبيته للشعب الفلسطيني ومؤمن بعدالة قضيته من منطلق قومي وإسلامي، ولأن القضية الفلسطينية عادلة حتى دون تحميلها أي مضمون أيديولوجي، وتعرف الشعوب العربية - وخصوصاً الخليجية- جيداً الدور الإيجابي للفلسطينيين في بلدانهم في كافة المجالات، وقد اعترف خليجيون كثير، وكويتيون خصوصاً، بأخلاق وكفاءة الفلسطينيين واحترامهم للمجتمعات التي يعملون بها ولقوانينها، كما أن الشعب في الخليج يمقت الصهاينة ودولتهم، ولا يريد التطبيع معهم، بالرغم مما تعرض له الجيل الجديد من كي للوعي وتشويه لانتمائه العروبي، ولأن الأنظمة تعرف ذلك وتعرف أن تطبيعها مع الكيان الصهيوني لا يعَبِر عن إرادة شعبية، فإنهم مهدوا للتطبيع بمحاولة كي وعي شعوبهم والإساءة للشعب الفلسطيني والتشكيك في روايته وإظهار أن الفلسطينيين منكرون للجميل ولا يستحقون الوقوف إلى جانبهم؛ بل استمعنا لبعض الأصوات الشاذة من الخليجيين - وهم بالتأكيد حالات منفردة ولا يمثلون إلا أنفسهم- يُعيدون تفسير بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بما يدعم حق اليهود في فلسطين وشرعية ما يقومون به ضد الفلسطينيين.. كل ذلك حتى يبرروا التطبيع مع إسرائيل.

وأخيرا، الفلسطينيون لن يتخلوا عن أمتهم العربية وإن كان عليهم الاعتماد على ذاتهم بشكل أكبر، وليس من مصلحتهم معاداة أية دولة عربية، كما أننا نرفض محاولة بعض المسؤولين الفلسطينيين الظهور بمظهر البطولة والتغطية على فشلهم - بل وفسادهم- من خلال التهجم على العرب والظهور بمظهر الحريص على المصلحة الوطنية الفلسطينية، ولكن نتمنى على الإخوة في الخليج الحذر من الإسرائيليين؛ فهؤلاء لا يريدون سلاماً، وهم غير معنيين بأمن واستقرار دول الخليج، وأية دولة عربية يعتبرها الصهاينة أخطر عليهم استراتيجياً من أية دولة من دول الجوار حتى إيران أو تركيا، وستثبت الأيام أن الخطر الحقيقي على الأمة العربية - وعلى الخليجيين تحديداً- هو الإسرائيليون وحليفتهم واشنطن.

Ibrahemibrach1@gmail.com