الشيخ ولد جدو: "مما لا شك فيه أن ولد الغزواني لا يبحث عن مأمورية ثانية"

 

القلم: يبدو أن المناورات من أجل تنظيم حوار بين الأغلبية والمعارضة لما تتقدم بعد... فلماذا تلك الطبخة لم تنضج بعد؟ ومن هو المسؤول عن ذلك؟ وهل ترون أن ولد الغزواني يريد فعلا هذا الحوار؟

الشيخ جدو: أقولها بصراحة، فمنذ الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر يوليو 2019 لم يعد هناك وجود للمعارضة ولا للأغلبية وأصبحت الجمهورية كلها معبأة ضد عزيز، واستطاع ولد الغزواني أن يعبئ كل الطيف السياسي كله في محاولة لتحييد الرئيس السابق، وبدأت الأمور بإنشاء لجنة برلمانية للتحقيق في فساد العشرية، وانتهت بتجريم عزيز ووضعه في الحبس الاحتياطي.

وهنا أيضا، ودون أن نغوص في التفاصيل حاول ولد الغزواني - وبقليل من التوفيق هذه المرة- أن يحول أنظار الموريتانيين واهتماماتهم بإيهامهم بأنه سيتم تنظيم الحوار. ولكن، وكما أشرتم إلى ذلك، فالطبخة لم تنضج بعد؛ وذلك لأسباب عديدة، منها أولا أن طرفي الحوار - أي الأغلبية والمعارضة- يشكلان كتلة واحدة منذ أكثر من سنتين، وإذا جلستا على طاولة المفاوضات تكون الأمور أقرب إلى المونولوج منها إلى الحوار، ومن هذه الأسباب أيضا أن الرأي العام الوطني لم يعط أي اهتمام للإعلان عن هذا الحوار ولا للاجتماعات الصورية التي كان ينتظر منها أن تتفق على فحواه وخريطة طريقه.

وجوابا على الشطر الثاني من سؤالكم فلا أرى أن أي شخص يقتنع بضرورة إجراء "حوار" من هذا القبيل؛ سواء كان ذلك الشخص ينتمي لأحد الطرفين أو كان منا نحن معشر المشاهدين والمتتبعين للأحداث.

سؤال: يبدو أن لجنة التحقيق البرلمانية التي علق الموريتانيون عليها آمالا كبيرة قد تعطلت؛ فمن بين مئات الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في تقريرها لم توجه التهمة إلا لثلاثة عشر فردا فقط، من بينهم الرئيس السابق الذي يوجد في وضعية الحبس الاحتياطي.

هل ترون أن هذا التعامل مع تقرير اللجنة قد مكن من القضاء على الفساد في البلد؟

جواب: بقدر ما أنجزت لجنة التحقيق البرلمانية عملا لافتا للنظر في وقت قياسي، حرفت النيابة - وبأمر من السلطة التنفيذية- تقريرها لتبعد مئات الأشخاص المشمولين في عمليات الرشوة واختلاس المال العام من الدعوى العمومية، وتتبنى عدالة انتقائية اقتصرت على توجيه التهمة إلى عزيز وأقربائه دون غيرهم، وتبقي المسؤولين الفعليين بالمعني القانوني للكلمة، في منأى عن كل الشبهات؛ حتى أن بعض هؤلاء ما زالوا يتحكمون في بعض القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية، وبعضهم عادت إليه العلاوات المخصصة لرؤساء الحكومات السابقين. وبناء على ذلك فجواب سؤالكم هو لا وكلا. فالفساد ما زال أمامه كثير من الفرص المواتية في موريتانيا، والدولة نفسها هي من يرعاه ويشجعه، وما عليكم إلا أن تراجعوا البيانات الصادرة عن اجتماعات مجالس الوزراء وتلقوا نظرة على التعيينات التي تم اتخاذها خلال السنتين الماضيتين.. وليست فضائح الإدارة العامة لأملاك الدولة وإدارة الإسكان والشركة الوطنية للمياه، والمشاريع المائية، إلا الجزء المرئي من جبل الجليد. وإذا ما تعمقنا في التفتيش نتبين أن الفساد أصبح رياضة وطنية، وفي مثل هذه الظروف فإنني أستبعد أن تقوم الحكومة الحالية بمحاكمة أي واحد من المفسدين خلال عشرية عزيز.

سؤال: بعد عدة أسابيع من اجتماع الرئيس ببعض أعضاء حكومته ومندوب التآزر ما زال الموريتانيون يتطلعون إلى حدوث تغيير جديد؛ معتمدين في ذلك على أن الرئيس أعرب في نهاية هذا الاجتماع عن امتعاضه من التأخر والتباطؤ في تنفيذ بعض المشاريع. فلماذا لا يحدث هذا التغيير حسب رأيكم؟

جواب: ينبغي أن لا ننجر وراء الشائعات؛ فهناك تأخر فعلي في تنفيذ أهم المشاريع، لكن ولد الغزواني لا يتعرض لأي ضغط؛ لا من الشارع، ولا من الطبقة السياسية التي تم احتواؤها منذ 2019. فلماذا إذن يقوم الرئيس بتغيير سيثبت فشل أدائه وهو في منتصف المأمورية؟ فهو يتكلم فعلا عن التأخر وعدم الوفاء بتعهدات الحملة في دوائره الخاصة، كما يفعل ذلك جميع الموريتانيين، لكن لن يؤول به الأمر إلى الإفصاح علنا عن خيبة أمله وامتعاضه من أداء معاونين هو من اختارهم بنفسه للقيام بتلك المهمات المتعثرة. زد على ذلك أن ولد الغزواني لا يبحث - وذلك ما ليس فيه شك- عن مأمورة ثانية، وإنما يقتل الوقت حتى تنتهي مأموريته الأولى هذه.

سؤال: ما هو تقييمكم لهاتين السنتين والنصف لحكم الرئيس الغزواني ولوضعية المعارضة الموريتانية؟

جواب: يمكن أن نلخص هاتين السنتين والنصف من حكم ولد الغزواني في عنوان بسيط هو "ثلاثون شهرا من التحييد السياسي لعزيز" فذلك هو أهم إنجاز تحقق في هذه الفترة، وهذا مهم لدى بعض الموريتانيين ابتداء من الأحزاب السياسية التي كانت تشكل المعارضة حتى يوليو 2019 والتي كانت معارضتها معارضة لشخص عزيز، وليست معارضة لسياسيته التي تبنتها منذ وصول ولد الغزواني إلى السلطة.

وهذه المعارضة التي تتحدثون عنها لم تعد لها كلمة في الساحة، وفقدت ما كان عندها من مصداقية لدى الرأي العام، وحتى لدى مناضليها أنفسهم، والموريتانيون يرونها الآن تساوم سعيا إلى تعيين "أبناء" قادتها في المناصب الإدارية، وتلتزم الصمت وتغض الطرف في الأوقات الحاسمة أثناء الاضطرابات الاجتماعية طمعا في الامتيازات، وتعرض الأواني للوعود الحكومية، وتخون ما تعهدت به من التزامات لأنصارها من الشباب؛ حتى أن نواب الأغلبية أصبحوا أكثر نقدا ومعارضة للحكومة من نواب ما كان يعرف بالمعارضة.

وهناك ظاهرة سياسية جديدة في موريتانيا هي أن الأغلبية تعمل كل ما في وسعها من أجل التشويش على عمل الحكومة في الوقت الذي تبذل فيه المعارضة كل ما لديها من وسائل لئلا تزعج ولد الغزواني في أي حال من الأحوال، فكيف يمكننا أن نتصور وجود هذه المعارضة كسلطة سياسية مضادة.

أجرى المقابلة: دلاي لام

 الشيخ ولد جدو عضو مؤسس في حركة 25 فبراير وخبير قانوني