"هدية ملغومة" قدمت للرئيس وشعبه وأصدقائه
كتب هذا المقال ونشر قبل عام تقريبا، لكن استمرار حبس الرئيس السابق محمد
ولد عبد العزيز بالباطل، والامعان في العمل على تشويه سمعته وسمعة عهده
الوطني البطولي الزاهر بمختلف الأساليب يدعو إلى إعادة نشره.
يرى بعض المحللين أن أخطبوطا خفيا يتحكم في مفاصل الدولة، ويلف أذرعه حول مؤسساتها ويدبر شؤونها! وقد قدم هذا الأخطبوط "هدية ملغومة" إلى فخامة رئيس الجمهورية وإلى الشعب الموريتاني وإلى أصدقاء موريتانيا؛ وذلك على النحو التالي:
- فعلى تمام الساعة التاسعة من مساء يوم الثلاثاء 22 يونيو 2021 قام هذا الأخطبوط بتنفيذ ما حلم به وأعد له العدة منذ نشأته، فاعتقل رئيس الجمهورية السابق محمد ولد عبد العزيز، وأودعه في سجن انفرادي خاص أنشئ بمقرر صباح اليوم نفسه، وأعطى تعليمات بمنعه منعا باتا من الاتصال مهما كان نوعه؛ منتهكا بذلك دستور البلاد وكافة قوانينها الإجرائية والموضوعية!
وبذلك يكون قدم "هدية ملغومة" إلى فخامة رئيس الجمهورية، ولسان حاله يقول متبجحا: هنيئا، لقد حيدنا أخاك "العدو" وأسكتنا خصمك السياسي اللدود!
ومن غريب الصدف أن تكون الساعة نفسها من مساء اليوم نفسه، هي الساعة نفسها من مساء اليوم نفسه من سنة 2019 التي تناول فيها فخامة رئيس الجمهورية المنتهية ولايته السيد محمد ولد عبد العزيز هاتفه واتصل بأخيه وصديقه ومرشحه وخليفته فخامة رئيس الجمهورية المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني يهنئه بفوزه الذي بدأت تظهر بشائره، ويأمر كتيبة من الحرس الرئاسي بالتوجه إلى منزله وحراسته بصفته الرئيس المنتخب!
فهل كان القابضون على السلطة يعون وهم يقومون بفعلتهم الشنيعة رمزية تلك الساعة من تلك الليلة؟ أم إنها محض صدفة نحس؟ وإذا كانوا يعون رمزيتها وتعمدوا تنفيذ فعلتهم فيها، فما هو غرضهم من ذلك، وماذا بعد؟
أغلب الظن أنهم يعون وأرادوا بذلك إحاطة فعلتهم بظروف مشددة صارخة، ودفع أزمة المرجعية إلى نقطة الانفجار وإحداث شرخ في جسم الأمة يصعب التئامه، وإعطاء شعار "إن للعهد عندي معنى" معنى لم يخطر لأحد من قبلُ ببال.. وبذلك يخلو لهم "المَخْتَلُ" إلى الهدف الموالي... {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}!
- والشعب الموريتاني؟ ما ذا كسب من هذه "الهدية الملغومة"؟ لقد ظل ذباب السلطة وامتداداتها والمرجفون في المدينة يطالبون على مدى سنة ونصف بحبس الرجل الذي يزعج ويقض مضاجع أعداء الوطن؛ لحد أن أحدهم ضاق ذرعا فصرخ "خذوه فغلوه" واختلقوا لذلك مختلف الذرائع، وزعموا أن حبسه مطلب شعبي، و"محاربة جدية للفساد" وخطوة نحو استرجاع "أموال الشعب المنهوبة"! وسيحتفلون ويطبلون ويزمرون ويباركون اقتراف هذه الجريمة في هذا الظرف الحالك بالذات، كي ينشغل الشعب عن فتك وباء كورونا، وطحن المجاعة والغلاء الفاحش، وانتشار الجريمة، وما يجري ليل نهار من نهب حقيقي لموجود فعلي كان حفظه أولى من طلب مفقود وهمي، وعن كون الإرهاب قد أصبح على الأبواب!
ولكن هيهات!
لقد أثبتت أحداث ما قبل اعتقال الرئيس محمد ولد عبد العزيز وما بعده من اصطفاف شعبي حوله، أن الشعب الموريتاني لا يقعقع له بالشنان، ولا يقف في المكان الخطأ، بل إنه يدرك بوعيه الحسي حقائق ودقائق الأمور! وإن نظرة عابرة على وسائل التواصل الاجتماعي لتؤكد صحة ما نقول!
أيها السادة.. لقد كان الشعب الموريتاني يتطلع ويطمح ويشرئب ويصبو ويهفو ويتعطش... في الذكرى الثانية لانتخابه للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى هدية غير هذه الملغومة، هدية صالحة وصادقة وطيبة تنهي أزماته وتضع حدا لويلاته وتجمع شمله: إجراءات وطنية وإصلاحية حقيقية تضع نهاية للهدم واللعب بالنار، وتكنس المفسدين الحقيقيين والمشعوذين واللصوص، وتعيد القطار الوطني إلى سكة الأمن والإصلاح والبناء! {فهل أنتم منتهون}؟
- وليلتها وساعتها أيضا، كان أبو العبد القائد الفلسطيني المجاهد إسماعيل هنية الذي يزور موريتانيا لأول مرة صحبة وفد فلسطيني رفيع المستوى، يحضر مهرجانا جماهيريا وحفل عشاء أقامته على شرفهم نساء الرباط الوطني لمكافحة التطبيع. وكان قد التقى قبل ذلك بفخامة رئيس الجمهورية وشكره باسم "سيف القدس" على مواقف موريتانيا المشرّفة؛ وخاصة قطعها العلاقات الآثمة مع إسرائيل وطرده السفارتها ذليلة من هذا الأديم الطاهر. كما شجعه على صمود موريتانيا في وجه الضغوط القوية التي تمارس عليها الآن بغية التحاقها بركب التطبيع. ووعده الرئيس خيرا. وقد تحدث في المهرجان في خطاب حماسي رائع عن ذلك اللقاء وعن ثماره الطيبة. ولكن كيف كانت مشاعره تلك الليلة وهو يخفي بالكاد تجرع مرارة الهدية الملغومة التي قدمت إليه في ذلك العرس الوطني البهيج في ختام زيارته الناجحة لموريتانيا حين أسر إليه أحدهم بالنبأ وليته لم يفعل: "لقد اعتقل الآن الفارس الذي أطاح بنظام التطبيع، وجرف سفارة إسرائيل القذرة تضامنا مع غزة وانتقاما لفلسطين، والذي شرع الحرية والديمقراطية في وطنه وسن سنة التداول السلمي للسلطة في العالم العربي وإفريقيا!
فلمصلحة من عُكّر صفو قادة "سيف القدس" تلك الليلة بالذات، ولوث مناخ صيف انواكشوط الجميل؟
- ناهيك عن أصدقائنا الآخرين الغائبين الحاضرين من أفارقة وأوروبيين وآسيويين وأمريكيين... والذين سيقول لنا بعضهم حين يسمعون نبأ اعتقال زعيم كانوا يعتمدون عليه في قيادة وإصلاح بلاده وفي تسوية وحل أزمات المنطقة ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة السرية ما قاله الزعيم الصيني شوين لاي لمحمد حسنين هيكل بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر: "لما ذا تركتم جمالا يموت؟ لو كان جمال في أمة غير العرب لما تركته يموت"!
- وكان لي شخصيا نصيب من الهدية الملغومة! فأنا صديق قديم لفلسطين، وأحد مؤسسي الرباط الوطني. وقد تغيبت - أو غيبت- عن أنشطته منذ مدة بسبب الخلاف على العدو الرئيسي! وها هو "سيف القدس" البتار يجب ما قبله ويتلقف ما صنع السحرة. وأتلقى أنا وصديقي العزيز الشاعر أحمدُ ولد عبد القادر دعوة كريمة من نساء الرباط، ونتهيأ ونرتب موعدا للذهاب معا على نفس الساعة (التاسعة من تلك الليلة) لنلقي ما في جعبتينا من شعر ونثر نشنف به الآذان ونشحذ به الهمم جسرا وطنيا وقوميا يمتد امتداد الضاد من المحيط إلى الخليج!
وفجأة أُمِرَ القاضي، فأَمَرَ مع صلاة مغرب نفس الليلة باقتياد القائد الذي أدافع عنه فأمْثُل معه، وأضطر للاعتذار للشاعر الكبير، وأبقى رهن تحقيق واستماع حسمت نتيجتهما منذ أيام على الأقل، وأنشئ سجنه بمقرر قبل المثول بساعات... ولا أصل إلى الحفل إلا منتصف الليل، بعد إيداع وتوديع موكلي!