أسئلة حائرة موجهة إلى "دفاع الطرف المدني"!
السؤال الثاني: حول التهم الموجهة للرئيس محمد ولد عبد العزيز: لقد دأب "قطب التحقيق" من أول إجراء اتخذه في هذا الملف الغريب، على نشر لائحة تهم النيابة المغرضة في ديباجة جميع أوراق القضية، تنفيذا لأوامر الخلية السياسية والأمنية التي تدير الملف. وكان للرئيس السابق نصيب الأسد من تلك التهم: عشر (10) تهم ما أنزل الله بها من سلطان، وهي:
* تبديد ممتلكات الدولة العقارية والنقدية،
* الحصول على مزايا مادية غير مستحقة من مجموعة عمومية،
* التدخل في أعمال تجارية تنافي الصفة الوظيفية عن طريق أخذ وتلقي فوائد من عقود ومزادات،
* منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية،
* استغلال النفوذ،
* إساءة استغلال الوظيفة،
* الإثراء غير المشروع،
* إخفاء العائدات الإجرامية،
* إعاقة سير العدالة،
* غسل الأموال.
ولكن السيد النقيب رئيس دفاع "الطرف المدني" جاء في مؤتمره الصحفي الأخير بلائحة اتهام جديدة غير تلك التي وجهت النيابة، فقال: "إن التهم الموجهة إلى المتهم محمد ولد عبد العزيز هي: الرشوة بجميع أشكالها، والثراء الفاحش، وتبييض الأموال". وفي هذا القول، رغم خطورته وافتقاره إلى البينة وخروجه عن مجال دفاع الطرف المدني، لفتة طيبة من طرف السيد النقيب اتجاه المتهم، لأنه يشكل تخفيضا معتبرا، مشكورا ومأجورا، لعدد تلك التهم من عشر (10) إلى ثلاث (3) غير أصلية! فهل لنا كدفاع أن نعتبر ذلك إعادة تكييف صادرة عن قطب التحقيق الذي يستند النقيب دائما إلى معلوماته الموثوقة لديه، أم هو تخفيض مجاني سخي وعفوي تبرع به دفاع "الطرف المدني" لخصمه! ويجوز لنا، بل يحق، أن نتمسك به في مواجهة "الطرف المدني" والنيابة، كـ"اعتراف بحق أو تنازل عنه" (تجيزه المادة 31 من قانون المحاماة) حاصل على "حجية المؤتمرات الصحفية" التي لا يعادلها شيء في شرعهما؟
وهنا يبرز سؤال آخر فرعي هو: ما دام دفاع الطرف المدني قد "أشفق" على الرئيس السابق فأسقط عنه على رؤوس الأشهاد سبع (7) تهم من أصل عشر (10) فلماذا يقسو عليه من جديد ويتهمه بـ "الرشوة بجميع أنواعها"؟ وهي تهمة لا يرد لها ذكر مطلقا في قائمة اتهام النيابة الأصلية الطويلة العريضة؟ وهل يجوز للمحامي، أي محام، أن يواجه المتهم بتهم لم تتهمه بها النيابة؟ وما ذلك إن لم يكن شططا وافتئاتا وتحاملا وانتهاكا لحقوق المتهم، وما ذا يرتب من جزاء؟ أم إن الأمر برمته لا يعدو كونه خبط عشواء، وإلقاء للكلام على عواهنه بغرض الاستهلاك المحلي؟ وأين ذلك من "الأمانة والشرف واحترام أصول ومبادئ وقيم المهنة" التي نقسم عليها أمام المحكمة العليا؟ (المادة 13 من قانون المحاماة).
فهل نسي محامو موريتانيا في تيههم الطويل أن المحامي أيا كان مركزه، غير ملزم بالنتيجة تحت أي ظرف من الظروف؟ ولكنه ملزم - في جميع الظروف- ببذل قصارى جهده وعنايته في الدفاع عن موكله، وحفظ مصالحه وإسداء النصح له؟ (المادة 48 من قانون المحاماة).
أما عدم الإلمام بمحتويات ملف القضية، والتفريط في الإجراءات، والتغاضي عن خرق القانون ونكران العدالة، وتلفيق الأدلة والتمالؤ على الباطل مع الموكِّل، وتعليله بالأوهام، والائتمار بأمره (خاصة إذا كان النيابة) فليس من المحاماة في شيء؛ بل حنث باليمين، وتدنيس لبدلة ومهنة المحاماة!
يتبع