محمدُّ سالم ابن جدُّ
عند العصر ينهض كل إلى مهمته؛ فبعضهم لإراحة المواشي، والبعض لطلب ضالتها، والبعض لسقيها، والبعض للتبادل مع راع قال في الخلاء، والبعض لمواصلة ما توقف عنه للمقيل.. إلى غير ذلك.
أما الباقون في البيوت فلتلاوتهم دوي يرافق الأذن أنى توجهت؛ بعضهم يقرأ في مصحف، والبعض من حفظه، وغالبا ما كان الأخير مقبلا على عملٍ ما؛ فالتلاوة من الذاكرة تحرر البدن، ويستمر الأمر كذلك إلى الغروب. وإلى جانب ذلك يبدأ مخض الشكاء من طرف النساء ومساعديهن، استعدادا للإفطار؛ فاللبن للشراب والزبد للإدام، ولله ما أشهى تلك الشربة وأمرأها، حتى لدى غير الصائمين مثلي!
في أحد الأرمضة – ولعلي في عامي السادس- أذن المؤذن للمغرب، فلما رفعت أمي – رحمها الله- الشراب إلى فمها طلبت منها أن تسقيني ففعلت، وتكرر مني ذلك يوما أو يومين، ألح عليها عند ما تهم بالإفطار فتقدمني على نفسها، وفي المرة الثالثة أو الرابعة سقتني، فلما أقلعت أمرتني بالزيادة فزدت، ثم أمرتني بالاستمرار إلى إفراغ الإناء فوجدت نفسي في كرب حقيقي، وبدأت أسترحمها حتى تركتني ولم أعد بعدها إلى هذا الفعل الصبياني.