محمدُّ سالم ابن جدُّ
يستيقظ الأطفال باكرا، فلا اللوح في الجدول هذا اليوم؛ بل هم في "خروچ" يدوم أياما لا تقل عن ثلاثة وقد تصل الأسبوع. هذا يلبس ثوبه ويجري إلى أصدقائه أو جدته أو خالته ليروه وقد غَيَّر "أبياجه" المألوف.. وهذه تشكو ألم الحناء التي باتت على أطرافها فأحدث مكثها حرقة وتغضنا في البشرة. وكانت الحناء خالية من السموم الكيميائية المسرِّعة لتأثيرها فتحتاج طول الوقت.
عند ارتفاع الشمس قليلا يخرج الكل إلى مرتفع نقي تحوله الثياب السوداء والبيضاء والزرقاء إلى لوحة سوريالية تحتاج قراءتها مهارات متعددة، وهناك يؤدون الصلاة ويفترقون.
ذوات الأصهار يحرزن قصب السبق في هذا اليوم الأغر، موائد شهية يعلوها الدهن والرب والسكر ويكللها اللحم العبيط متسنما تلال الأرز الذي لم يعرف ما الزيت النباتي (دلوير) ولا الخضروات.
يدعو المستهدفون بتلك الوجبات الرجال فيجتمعون في بيوتهم ويطعمون ويحتسون الشاي وعند ارتفاع النهار ينفَضُّ جمعهم.
يخرج الحلي من أوعيته لإعداد تشكلات غابت منذ زمان منها "لمرص" و"الفشه" و"أگاده".. إلخ. وتضفر رؤوس من يسمح الحال لهن بذلك (غير المغيبة والمعتدة) وتعقد شعور المراهقات بخلطة من الفحم والصمغ تسمى "اتگلمين" (بلام مغلظة) فيبدو الشعر فاحما لماعا منتصبا. وكانت شعورهن توفر بالتدريج بحيث تقل المساحة المحلوقة من رؤوسهن مع الزمن حتى تتلاشى.
عند العصر يخرج الكبار إلى مواشيهم التي استراح رعاتها من شأنها هذا اليوم، ويتردد هزيم الطبل خارج البيوت فيخرج إلى "الملعب" أناس على مستويات: منهم مغنيات ولاعبون بالعصي فهذا شأنهم في المقام الأول، ومنهم مستمتعون ومستمتعات بذلك المنظر المؤقت، ومنهم متفرجات يتسللن لواذا حتى يكنَّ بحيث يَرين ولا يُرين. وقبيل المغرب ينفرط العقد، وربما كرروا الحال في اليوم التالي ويسمون تكريره "امعيليله".
قبل الاستدراك والتعقيب:
أنا أتحدث عما عاينته وعايشته، ولا ينفيه وجود غيره في مكان آخر أو قوم آخرين.
ثم عن ذكريات يزيد عمرها على أربعين سنة.