لم تفاجئنا النكسة.. وكانت سببا في قيام حركة الكادحين (ملف خاص 3)

محمد المصطفى ولد بدر الدين     

كنا جماعة من القوميين العرب، بعضنا في الداخل وبعضنا في القاهرة للدراسة، وعندما عدنا إلى العاصمة انواكشوط من القاهرة نهاية العام 1966 بعد أن عشنا تجربة جمال عبد الناصر سنتين، وقعت حرب الأيام الستة بعد أشهر قليلة.

في الحقيقة لم تفاجئنا النكسة وما وقع فيها رغم الإنجازات التي حققها جمال عبد الناصر؛ سواء على المستوى الداخلي: الإصلاح الزراعي الذي غير حياة الفلاحين في مصر، وإقامة التعاونيات الاستهلاكية على النمط الاشتراكي. أو على المستوى الخارجي: الانتصار في العدوان الثلاثي على إسرائيل وبريطانيا وفرنسا، وتأميم قناة السويس الإستراتجية.

 كما استطاع عبد الناصر أن يرفع رأس الأمة العربية.. فبالإضافة إلى تلك الإنجازات كان جمال أحد مؤسسي حركة عدم الانحياز، وساند حركات التحرر الوطني التي كانت القاهرة مقرا لها. إذن لم يكن عبد الناصر زعيما مصريا فقط؛ بل كان زعيما عربيا وإفريقيا، وزعيما لحركة عدم الانحياز.

ومع ذلك لم تسلم فترة عبد الناصر الذهبية الممتدة من عام 1952 إلى حرب الأيام الستة من إخفاقات رافقتها، منها إخفاقه في حرب اليمن التي خاضتها مصر وأنهكت جيشها، وفشله في تجارب الوحدة العربية مع سوريا والعراق، وفشله في تأسيس حزب سياسي يقود ويوجه عمله، وظل الاتحاد الاشتراكي - الذي هو حزبه- إطارا تسرب إليه المندسون والرجعيون والرأسماليون وعملوا على إفشاله؛ وبالتالي فإن النكسة كانت متوقعة ومصر كانت مقدمة على أمر خطير.

انتهت حرب الأيام الستة بهزيمة الجيوش العربية، أو هزيمة عبد الناصر على الأصح، لأنها كانت تحت قيادته. وبتلك الهزيمة انقضت فترة تاريخية وبدأت حقبة أخرى مناهضة لفترة حكم عبد الناصر، أبرز زعمائها السادات وحلفاؤه الذين كانوا يتحالفون مع أمريكا وقرروا نسف منجزات عبد الناصر وإقامة نظام موال لأمريكا والقوة الرجعية والرأسمالية في مصر..

كنا كقوميين عرب غير تابعين لعبد الناصر - ولكننا مناصرين له- في مفترق طرق؛ إذ لم نعد قادرين على التمسك بخط عبد الناصر الذي لم يعد موجودا، فكان لا بد لنا من البحث عن بديل، وكانت موريتانيا تعيش وضعا مختلفا عن وضع مصرح فقد خرجت للتو من أحداث عرقية أدت إلى تطاحن القوميات فيما بينها، وكانت فترة استقطاب بين القوميين العرب والقوميين الزنوج.

كانت حركة القوميين العرب تقدمية يسارية، وكانت هناك أجواء عالمية مواتية، وهي انتشار الأفكار الثورية اليسارية؛ منها انتصار القوميين في حرب اليمن الجنوبي، والانتصارات في فيتنام وكمبوديا، وحركة مايو في أوربا 1968 التي أطاحت بالجنرال ديغول.. كلها أحداث ألهمتنا أن نراجع الفكر القومي العروبي ونتحول تدريجيا إلى الفكر الديمقراطي اليساري.

وبالإضافة إلى ما تقدم فإن موريتانيا المتعددة عرقيا تحتاج إلى فكر وحدوي، وكانت تلك الفترة قد اشتد فيها النقاش بيننا كمجموعة وبين مجموعة القوميين الزنوج، وقد أدت تلك النقاشات إلى أطروحات تم إقرارها من طرف مؤتمر "توكومادي" في 01 ابريل 1968 الذي يعتبر المؤتمر التأسيسي للحركة الوطنية الديمقراطية وحزب "الكادحين".

(عن الشروق ميديا)

نشر أولا بتاريخ 18 يونيو 2020