النكسة بوابة دلف منها التيار القومي إلى مجاهيل اليسار الأيدلوجي (ملف خاص 5)

 

الحسن ولد مولاي اعلي   

كنت غلاما يافعا، يوم الخامس من يونيو 1967 أقضي معظم وقتي في متابعة الإذاعات التي كانت أجهزتها بالمناسبة، قد بدأت تنتشر، بعد ندرة؛ وكنت مدمنا على متابعة عدة برامج في الإذاعة الوطنية، أهمها برنامج الشباب الذي كان يقدمه الثلاثي عمر والد رحمه الله، وعبد الله ببكر والناها سيدي، ثم برنامج الأدب الشعبي الذي يقدمه العميد الراحل محمدن ولد سيد ابراهيم؛ وكنت أراسل البرنامجين باستمرار.

أدرت مؤشر الراديو ضحوة، على الإذاعة الوطنية الموريتانية، كالعادة، فما صدقت أذني أنها تستمع منها إلى الأناشيد العربية الحماسية، من قبيل: بني وطني، وموسيقى المارش العسكري؛ إلى أن قال المذيع: "صوت العرب من القاهرة" ثم بادر بعده من يقول: "هنا انواكشوط، نحن نتابع معكم بث إذاعة صوت العرب من القاهرة، لمتابعة أنباء معركة الشرف في مواجهة العدوان الصهيوني الغادر، على مصر والأردن وسوريا"!!

استمرت الإذاعة الموريتانية تتابع صوت العرب، وتقدم البيانات العسكرية والأناشيد الحماسية، وكان مستلبو صوت العرب (وأنا منهم) يصدقون البلاغات الكاذبة، ويمنون أنفسهم بالنصر المبين، إلى أن وقع الفأس في الرأس باستقالة جمال عبد الناصر واعترافه بالهزيمة؛ وهي الاستقالة التي رفضتها الجماهير، وأرغمت "الزعيم" على التراجع عنها، لتتحول الهزيمة بالإعلام المضلل إلى "نصر" لأن العدوان فشل في إسقاط النظام "التقدمي"!؟

كانت النكسة كارثة لا تقل في وقع إحباطها عن النكبة؛ وقد تكشفت الحقائق المُرة تباعا، فكانت فصولا سوداء متلاحقة، من الهزائم والخذلان والإحباط واحتلال الأرض، واستباحة العرض.

قامت موريتانيا الصغيرة الضعيفة الخارجة قبل سبع سنوات من منكب النسيان، ومن بين مخالب ومطامع القوى الدولية والجيران.. (قامت) بعمل بطولي نادر، فقطعت العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة لدورها في العدوان، واستطاع المرحوم المختار ولد داداه أن يقطع يد الصهيونية القذرة في إفريقيا، فقطع القادة الأفارقة علاقاتهم بنظام العدوان.

وعلى المستوى الشعبي الوطني كانت النكسة بوابة دلف منها الكثير من قادة التيار القومي العربي الموريتاني الذي صنع ورافق الاستقلال، إلى مجاهل اليسار الأيديولوجي، بسبب الإحباط من النظام الناصري، كما خلفت النكسة ركاما من الأدب، شعرا ونثرا، فصيحا وشعبيا.

نشر أولا بتاريخ 03 يوليو 2020