وهنا أتطرق إلى بعض الانتهاكات التي شابت سير هذه القضية فنفت صفة المحاكمة العادلة عنها؛ والتي أحصى أحد زملائنا منها ثلاثمائة وثمانين (380) انتهاكا:
1. بطلان محاضر الشرطة التي تم إعدادها في ظل ممارسة الاستهداف الممنهج والافتراء والتحريض والإكراه والترهيب والترغيب والتعذيب.
إن جميع محاضر البحث التمهيدي الذي كلفت به النيابة ضابط الشرطة القضائية/ مدير مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية بالإدارة العامة للأمن الوطني تم إعدادها في جو عام مشحون بالتلفيق والتضليل والكراهية والاستهداف الظالم والشيطنة الممنهجة والافتراء والترهيب والترغيب والتعذيب وانتهاك الحريات وبث وترويج الشائعات ومصادرة الممتلكات وتغييب القانون تغييبا كاملا. كما جرى فيها تحريف الوقائع والتلاعب بالتعليمات الصادرة من سلطة الادعاء واستغلالها في استهداف وتوريط موكلنا الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في مسطرة لا علاقة له بها البتة، خدمة لأغراض سياسية وانقلابية. الشيء الذي جسده بوضوح محضر 07 أغسطس 2020 الذي سنتوقف عنده لاحقا؛ وكذلك تجاوز الصلاحيات وخرق القانون من طرف النيابة!
ولئن حازت "لجنة التحقيق البرلمانية" المزعومة السبق في انتهاك القانون وتحريف الوقائع وتلفيق الحجج في هذا الملف، فإن تعهد القضاء فيه لم يؤد إلى انخفاض وتيرة البغي والرجوع إلى جادة الحق كما كان متوقعا وواجبا؛ بل على العكس من ذلك. لقد اشتد أوار الفتنة واستخدمت فيها أساليب لم تكن في الحسبان، كالمداهمات والاعتقالات واختراق الخصوصيات وتحريف الوقائع والتعذيب ومصادرة أموال الناس بالباطل. ومن رحم هذا الجو الموبوء خرجت محاضر شرطة مديرية مكافحة الفساد التي حرص السيد وكيل الجمهورية وطرفه على الاستشهاد بتلاوتها أمام محكمتكم الموقرة؛ باعتبارها حجة أقوى مما كشف عنه التحقيق الذي جرى أمامكم. لقد أعدت تلك المحاضر كلها تحت التعذيب والإكراه والترهيب والضغوط بجميع أنواعها؛ بما في ذلك استخدام الأهل والأقارب والمرجعيات الدينية والسياسية للضغط على المعتقلين الذين هددوا في مصالحهم الاقتصادية وفي وظائفهم وأرزاقهم لكي يعترفوا على أنفسهم وعلى غيرهم بالباطل! الشيء الذي جعل بعضهم يسعى لإنقاذ نفسه على حساب غيره، ولسان حاله يقول: نفسي، نفسي. لقد عذب محمد المشري صالح، محاسب هيئة الرحمة، لحد الجنون والتصريح في وجبة التعذيب الثانية بقوله: "وفيما يخص تسييري لبعض أموال هذه الأسرة سأتعاون مع لجنة التحقيق تعاونا مطلقا من أجل تسهيل مهمتها". وغيب لا ندري أين! ولم يستدع إلى هذه المحاكمة - رغم أهمية ما لديه من معلومات- خشية أن يتراجع أو يتحدث عن محنته الفظيعة. ويقول أهله إن الشرطة حذرته من أن يقول كلمة واحدة؛ وإلا فإنه لن يرى الشمس بعدها أبدا! وعذب وأهين الموثق أحمد محمود ببكر أحمد معلوم، وعذب محمد ولد امصبوع ومحمد سيد امبارك امصبوع، ومولاي اعلي مولاي أحمد، الذي اعتقل وعذب مرتين إحداهما من طرف الشرطة، والثانية من طرف الدرك؛ والذي كان يسمع صراخ ابن خالته محمد المشري صالح تحت التعذيب في غرفة مجاورة، واعتقل وعذب وأكره رجال الأعمال وغيرهم في مخافر الشرطة.. إلى آخر اللائحة. و"التعذيب" حسب مفهوم القانون 2015/033 (المادة 2) هو أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث، أو تخويفه أو إرغامه هو وأي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه وكيل من الوظيفة العمومية أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية". وقد صرح جل الضحايا الذين مثلوا أمام محكمتكم الموقرة بما تعرضوا له من تعذيب مادي ومعنوي وسوء معاملة وقهر، دون أن يتم - لا من طرف النيابة، ولا من طرف محكمتكم- تفعيل المادة 9 من قانون مكافحة التعذيب آنف الذكر التي تنص على وجوب القيام ببحث حيادي، فتقول: "تقوم السلطات القضائية المختصة فورا ببحث حيادي كلما كانت هناك أسباب معقولة تفيد أن عمل تعذيب أو سوء معاملة ارتكب أو تمت محاولة ارتكابه، وذلك حتى في غياب شكاية..." فلماذا؟ وإنكم لتعلمون – فضلا عن ذلك- أن محاضر الضبطية، حتى وإن صحت شكلا ومضمونا، لا تصلح من حيث المبدأ إلا للاستئناس! وأن المادة التمهيدية من قانون الإجراءات الجنائية تقول في فقرتها الأخيرة: "لا يعتد بالاعتراف المنتزع تحت التعذيب أو العنف أو الإكراه". وكان جميع من استمعتم إليهم من أصحاب تلك المحاضر قد أكدوا تزويرها وعدم اعترافهم بما ورد فيها.