من "ميفرما" إلى "تازيازت".. تشابه في الشكل وحلول مختلفة

 

تطل علينا اليوم في 29 مايو ذكرى انتفاضة عمال ازويرات المجيدة ضد الاستعمار الجديد والاستغلال البشع والتمييز العرقي وغير ذلك مما جسدته يومئذ شركة "ميفرما" التي شكلت دولة داخل الدولة وأقوى منها، وذلك رغم ما مثلته صناعة استخراج ونقل وتصدير حديد الشمال من أساس ودعائم للدولة الموريتانية الوليدة.

لقد كانت انتفاضة عمال ازويرات علامة فارقة في تاريخ موريتانيا؛ حيث عرّت جميع مساوئ الاستعمار الجديد وأعوانه المحليين، فصاروا هدفا.

 لنضال النخبة والشعب بعدما كان الصراع داخليا في صفوفهما، وأذكت التناقضات الداخلية في صفوف النظام بين الوطنيين الإصلاحيين من جهة، والمتعنتين والإقطاعيين من جهة أخرى، ومكنت للطبقة العاملة الموريتانية (من كل الأجناس والقبائل والفئات) رغم هشاشتها وضعفها وحداثتها، أن تقوم بدور ريادي رسم معالم المجتمع الموريتاني الجديد؛ مجتمع الدولة والحداثة، على أنقاض مجتمع الإقطاع والعبودية والمراتبية الذي كان سائدا.

وإن ننس لا ننس:

- أن أميرة من الحوض الشرقي، وهي زوجة إداري وأمير أجهشت بالبكاء حزنا على ضحايا قمع انتفاضة عمال ازويرات فأخذ زوجها يلومها ويقول: "لما ذا تبكين عليهم وأنت لا تعرفينهم وليس من بينهم أحد من أبناء عمومتك؟!" فقالت: "إنهم موريتانيون، وكل الموريتانيين أبناء عمومتي!".

- وأن الشبيبة الموريتانية، كما ذكرنا في مناسبات سابقة، اصطفت بجميع أطيافها ومكوناتها الاثنية والفئوية في خندق واحد بعد ما مثله شرخ أحداث 66 الدامي من تفرقة، لتقود الاحتجاجات التي تحولت تدريجيا إلى نضال وطني استمر سبعا عجافا هدفه تصفية الاستعمار الجديد، وفي مقدمة أولوياتها تأميم ميفرما ومراجعة الاتفاقيات المذلة مع فرنسا والخروج من منطقة الفرنك  وترسيم اللغة العربية وكتابة اللغات الوطنية الأخرى وإرساء الديمقراطية التعددية.

وقد تحقق معظم هذه الأهداف؛ وخاصة تأميم ميفرما، فانتقلت موريتانيا بفضل نضال ووحدة أبنائها إلى فضاء الاستقلال والحرية الواعد لولا ما مثلته حرب الصحراء والنظام العسكري الرجعي البغيض الذي أعقبها من دمار وخراب.

واليوم وقد نهضت موريتانيا من كبوتها في عهد الثالث والسادس من أغسطس، وبدأت تسمو وتبني وتعمر، تصادف ذكرى انتفاضة عمال ازويرات المجيدة هذه السنة تحرك وإضراب جزء آخر من العمال ضد استغلال وظلم رأس المال الأجنبي، وضد الفساد.

ولكن رغم التشابه الشكلي الظاهر بين "ميفرما" و"تازيازت" فإن نضال عمال "تازيازت" يجري ضد شركة تختلف عن "ميفرما" شكلا ووزنا، وفي ظروف وطنية ودولية تختلف عن ظروف الخمسينيات والستينيات والسبعينيات حين  كانت الثورة والنضال السمة الأساسية للعصر والعرف الجاري لدى الشعوب في المستعمرات، وكان معسكرا عدم الانحياز والاشتراكية في أوج قوتهما، والامبريالية تنهار. ولعل اختلاف الظروف وقيام نظام وطني إصلاحي اليوم في موريتانيا - رغم ما يقوله عن هذا النظام خصومه وأعداؤه- هما ما أغفلته الأصوات التي تعالت تدعو بحسن نية إلى تأميم شركة "تازيازت" دون أن تدرك أن ما تقترحه يشكل في الوضع الدولي والوطني الذي نعيشه كارثة على الاقتصاد الوطني وعلى سمعة ومكانة وأمن البلاد.

وعليه فإنه يجب تجاهل تلك الدعوات والعمل في المقابل من أجل:

- اتخاذ جميع الإجراءات الميدانية الصارمة الكفيلة بضمان سلامة العمال وحماية حقوقهم، وكذلك سلامة منشآت وأطر الشركة؛ وخاصة الأجانب منهم.

- إلزام الطرفين (الشركة والعمال) بالجلوس على مائدة المفاوضات بغية الوصول إلى حلول تضمن المصالح الأساسية لكليهما.

- إجراء مفاوضات بين الدولة والشركة بهدف مراجعة الاتفاقيات المبرمة بينهما بصفة تضمن تحقيق هدفين هما: زيادة نصيبنا من ثروتنا الطبيعية الثمينة؛ ووضع حد نهائي للفساد المزمن الذي ينخر الشركة.        

ذلك ما يضمن تحقيق المصالح الوطنية العليا، ويجسد الوفاء لأرواح شهداء ازويرات وذكرى انتفاضتهم الوطنية والاجتماعية المجيدة.

نشر أولا في 29 مايو 2016