حركة 16 مارس الرد الحاسم والمدوي على انقلاب 31 مايو واختطاف موريتانيا

لم يكن العقيد محمد ولد اب ولد عبد القادر قائد حركة 16 مارس واهما حين أدرك بحسه الثاقب وقراءته المتبصرة للأحداث غداة سقوط أو إسقاط طائرة الرئيس أحمد ولد بوسيف أن الفئة الموالية لبوليزاريو في اللجنة العسكرية وحلفاءها قد يكونون ضالعين فيما جرى، وأنهم اغتنموا الفرصة للقفز على السلطة بصورة مريبة، والقيام بانقلاب معاد للوطن. وكان يعي مدى ما يمثله ذلك من خطر على استقلال وبقاء موريتانيا، كما يعي أيضا ضرورة مواجهته بسرعة وحزم. لذا بادر بتقديم استقالته من الحكومة ومن اللجنة العسكرية "تفاديا للاشتراك في نظام بات يسعى بشكل واضح إلى تدمير موريتانيا" حسب ما جاء في رسالة استقالته؛ ثم رفع راية المقاومة، وشرع في نسج خيوط التحالفات التي تخلق شروط المواجهة والنصر.

ورغم هالة الدعاية السوقية التي أحاطت بها بعض الشيع، والتيارات الانتهازية النظام الموالي لبوليزاريو وحلفائها، وما رافق ذلك من دعاية مغرضة تمجد "الزعيم" وبوليزاريو وتشيطن المعارضة ونظام الرئيس المختار ولد داداه والمغرب وفرنسا، فإن ذلك لم يزحزح أغلبية الشعب عن موقفها المعادي للحلف الحاكم. فالشعب هو الذي أفرز قادة ومناضلين مدنيين وعسكريين تلاقت إراداتهم وتواثبوا لتخليص الوطن من الاختطاف والأسر، ولبوا نداء الرفض والمواجهة الذي أطلقه العقيد محمد ولد ابه ولد عبد القادر حين قال: "في مواجهة الدراما المحزنة التي يعيشها بلدي لا أستطيع أن أحيد عن النهج الذي رسمته لنفسي من أجل تحقيق تطلعات الشعب الموريتاني المشروعة؛ ويمكنني في سبيل ذلك أن أضحي بنفسي من أجل أداء واجبي".

لقد وُضِعَت إذن اللبنات الأولى في صرح التمرد على اختطاف وارتهان موريتانيا من طرف أعدائها الظلاميين الانقلابيين؛ وتأسست حركة "التحالف من أجل موريتانيا ديمقراطية" التي ضمت جميع أطياف وفئات المجتمع أحزابا ونقابات وطلابا ورجال أعمال وشخصيات وطنية من مختلف أنحاء البلاد، وسعت بما أوتيت من قوة إلى الإطاحة بالنظام الذي جسد النهج الانهزامي المعادي للوطن، وكلفت جناحها العسكري "حركة الضباط الأحرار" بالتخطيط لعمل عسكري وتنفيذه حسب قواعد وشروط محددة تحدث عنها القيادي في تلك الحركة السياسية السيد محمد عبد الرحمن ولد امين لوكالة أنباء نواكشوط فقال: "إن قرار عملية الإطاحة بولد هيداله قد اتخذته قيادة الحركة حضوريا وبشكل جماعي في باريس قبل تنفيذها بأشهر وكلف الجناح العسكري للحركة بعملية الإطاحة بالرئيس محمد خونه ولدهيداله، وقد تركت له بشكل واضح لا لبس فيه، حرية التخطيط والتنفيذ بعد اتخاذ القرار السياسي لهذه العملية، والاستعانة بمن يراه الجناح العسكري مناسبا من المدنيين الموريتانيين، كما ألزم بالتكتم على جميع المراحل والخطط. إن قيادة "التحالف من أجل موريتانيا ديمقراطية" اشترطت على العسكريين شرطين أساسيين:

أولهما أن لا يدخل في جميع مراحل العملية أي عنصر أجنبي على موريتانيا. أي بمعنى أوضح أن لا يكون للمغرب بها علم، أحرى أن يكون له فيها دور، وذلك بحكم أن الجناح العسكري موجود في المغرب. وأن لا يستخدم فيها سلاح أجنبي.

والشرط الثاني أن يتم الاتصال بالضباط الموريتانيين ما أمكن ذلك من أجل إقناعهم بالعملية. وحسب معلوماتي فقد تم الاتصال بمعظم القيادات العسكرية باستثناء واحد أو اثنين؛ فمنهم من قبل، ومنهم من تلكأ ومنهم من رفض.

إن العسكريين المخططين لعملية 16 مارس اختاروا الاتصال ببعض المدنيين من أجل تأمين وسائل النقل داخل موريتانيا، وكذلك الأسلحة الخفيفة التي قد يحتاجونها، وحصلوا على السلاح من داخل موريتانيا كما اشتروا سيارات من شركة معروفة في موريتانيا وصبغوها باللون العسكري الموريتاني، وأمّن لهم المدنيون الطريق إلى نواكشوط".

وليس أدل على ما تمتعت به تلك الحركة من دعم وتأييد شعبيين من اتساع نطاق من شملهم القمع الذي أعقبها؛ والذي طال جميع فئات المجتمع وفي مختلف أرجاء البلاد. لقد أصبحت موريتانيا كلها رهن السجون والمنافي والمعتقلات. ولكن نهج التمرد والثورة كان قد تم رسمه وتعبيده بالفعل، وروته دماء نخبة من خيرة أبناء هذا الوطن جادت بأرواحها الزكية الطاهرة قربانا لحرية وعزة موريتانيا.

لقد ظلت روح 16 مارس التي زلزلت معسكر الأعداء تعتمل وتتأجج حتى أسقطت نظامهم البغيض وفكت أسر موريتانيا من قبضتهم زوال يوم الأربعاء الثاني عشر ديسمبر 1984. يومها رفع الوطن رأسه شامخا، وأطلق سراح السجناء وعاد المنفيون بعد العفو الشامل، وتصالحت موريتانيا ـ ولو إلى حين ـ مع نفسها ومع جيشها وجيرانها وذويها، وتحولت شوارعها وساحاتها بعد الهزيمة والقهر إلى مهرجانات وأعراس.

ولكن قادة وأبطال انتفاضة 16 مارس التي وضعت حدا للإهانة، وهيأت شروط حركة 12/12، من العسكريين لم يشملهم العفو ولم يعد لهم الاعتبار؛ بل ظلوا منسيين لحد إخفاء مراقدهم الطيبة، وما يزالون كذلك إلى يومنا هذا.