أمة العرب هي أمة الإسلام؛ سمت به وسما بها، وهي قاعدته ووقوده، وهو روحها وهديها الذي بلغت به السماء ورامت فوقها مظهرا هي بالغته بإذن الله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر...}.
وقد أدت هذه المكانة التي تبوأتها أمة العرب والإسلام إلى أن ناصبها العداء منذ نشأتها عبدة الأوثان واليهود والمنافقون، وراموا القضاء عليها، وخاضوا في سبيل ذلك الحروب تلو الحروب: بدر، أحد، الأحزاب، حنين، مرورا بحروب الردة، والفتنة الكبرى (الجمل وصفين) والخوارج... فالحروب الصليبية والشعوبية والاحتلال العثماني، وانتهاء ببغي وبطش الاستعمار الغربي والصهيونية المقيتين. ولقد ظل العدو خلال هذا التاريخ المديد يتنوع ويتلوّن ويأخذ في كل مرحلة شكلا جديدا وشعارا جديدا وتحالفات جديدة وأسبابا ومللا ونحلا جديدة!
ومع ذلك، ورغمه، ظلت أمة العرب والإسلام قائمة وخالدة عبر الزمن: إقليم جغرافي متصل من المشرق إلى المغرب، ولغة حية جامعة يتكلمها جميع سكان الإقليم، ودين خاتم مصدق يؤمن به نحو ملياري مسلم وتعم أنواره الشرق والغرب، وثقافة وتاريخ مجيدان.
وفي عصرنا الحاضر، عصر الاستعمار الغربي الأمريكي الأوروبي الصهيوني ظلت السيطرة على العرب وتفكيك وحدتهم وتشتيت شملهم، ونهب ثرواتهم، وترسيخ تخلفهم الشغل الشاغل للقوى الاستعمارية والصهيونية: احتلال الوطن العربي، تقسيم أمة العرب إلى دويلات (اتفاقية سايكس ـ بيكو) وعد بلفور وزراعة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني إسفينا بين الشام والكنانة، العدوان الثلاثي لتصفية ثورتي مصر والجزائر، حرب حزيران وهزيمته التي راهنوا على أنها هي القاضية.. الخ.
وبقدر ما كانت حرب حزيران مدمرة في كل شيء، فإن أمة العرب والإسلام سرعان ما خرجت من رمادها أشد عنفوانا وأقوى صولة مثل طائر الفينيق الأسطوري. واستطاعت في أقل من ست سنوات أن تتحدى أعداءها وتعصف بالاحتلال الصهيوني وتقذفه مذموما مدحورا من صياصيه نهارا جهارا رغم حصونه المنيعة، وترساناتها المتطورة وحلفائه الأقوياء...
ذلك هو نصر أكتوبر العظيم!
وككل نصر عظيم في صراع وجود مصيري مع قوى عاتية تحكم الكون بأسره، دمروا نصر أكتوبرالعظيم (اتفاقيات كامب ديفد وأوسلو وحرب العراق العبثية مع شقيقته إيران، والحروب الأهلية في السودان ولبنان والجزائر..)كما دمروا وحرَفوا اليوم ثورات شعوب مصر وتونس واليمن وسوريا وحولوها فتنا وحروبا أهلية وربيعا استعماريا صهيونيا أسود!
ولكن هيهات...
لقد انهار نظام كامب ديفد بسواعد شعب مصر الأبي في أيام، ووقف حمار أوسلو في العقبة، وسقط بن علي وعبد الله صالح وغيرهم، وتهاوت الدمى التي تسلقت سنام السلطة بعدهم في غفلة من الشعب ودون إرادته، الواحدة تلو الأخرى، وصمدت قوى المقاومة في الشام (سوريا ولبنان وفلسطين..) ومُرّغ أنف أمريكا وإسرائيل في التراب، فانتهى عصر أمريكا، وبزغ عصر جديد تتوازن فيه القوى، وينتصر المستضعفون.
واليوم هاهي روح نصر أكتوبر العظيم تعود مرفرفة على شام صامد ومقاوم، ومصر تنفلت من عقال الاستعمار والصهيونية والرجعية وتضع أسس نهضتها وانعتاقها... وعراق يتعافى من الاحتلال رغم عمق جراحه النازفة، وأمة نهضت من المحيط إلى الخليج يحدوها الأمل وإرادة الحياة، وتتلمس أسباب القوة، وترى النور في نهاية النفق.
فتحية لروح نصر أكتوبر العظيم التي تظلنا اليوم وتنير درب مسيرتنا المجيدة الرائدة الواعدة رغم وعورة الطريق، وجسامة التحديات!
(نشر بتاريخ 15 أكتوبر 2017)