تراث إنساني على شفا الاندثار (2)

 

محمدُّ سالم ابن جدُّ

فلان..
لم يكن الموريتانيون في طبعتهم الأصلية (التي تكاد تختفي الآن) مجتمع ألقاب؛ بل كانوا يرون في الثناء على حاضر نوعا من التملق والاستخفاف بعقله، وإذا اضطر أحدهم إلى ذلك قال معتذرا ومبرئا نفسه: “ما هو گدام وجهك” (أي لا أمدحك لأجل كونك حاضرا تسمعني).
وعوضا عن الألقاب كانت نبرتهم عند نطق الاسم تعبر عن قيمة المسمى لدى المتكلم (إعجابا، محبة، بغضا، استخفافا.. إلخ) واستمروا كذلك حتى عهد الرئيس المؤسس الذي كانوا يخاطبونه باسمه المجرد (المختار) دون وصف من أي نوع، لكن النبرة التي ينطقون الاسم بها كانت تفيض إجلالا واحتراما.
بالمقابل صاروا يغدقون الألقاب والأوصاف بشكل أقرب إلى السخرية! أذكر مرة حضرت نشاطا لاتحاد الكتاب والأدباء فكان ينادى باسم “الشاعر الكبير” فلان الفلاني موصوفا بما عز نيله، فينهض شاب في مقتبل شبابه يختال كالطاوس تحت تأثير ذلك، فقلت للأستاذ كابر هاشم (رئيس الاتحاد وقتها) رحمه الله: ماذا بقي لهؤلاء عندما يكبرون بالفعل (إبداعا وسنا)؟! فوافقني الرأي.