تراث إنساني على شفا الاندثار (6)

محمدُّ سالم ابن جدُّ

"الكُنى"

كثيرا ما وجد الأشقاء العرب صعوبة في فهم الأسماء الغريبة التي تكثر لدى الموريتانيين، وكثيرا ما سألوا أحد حامليها عن معنى اسمه فلم يحظوا منه بطائل. (أحد شعرائهم زعم – على الهواء- أن معنى اسمه الشاعر المُجِيد!) وأعني هنا الألقاب وما اصطلح على تسميته الكنى دون أن يكون كذلك (الكنية الحقيقية تبدأ بلفظ الأب أو الأم).

يمكن إيضاح تلك الأسماء بما يلي: يولد مولود فيسمى المختار (على سبيل المثال) ثم يحرف ابنه أو أخوه الصغير - أو مَن في معناهما- نطق اسمه في محاولاته الأولى للكلام، فيجعله "التاه" أو "الداه" فإذا أراد الأصاغر التأدب معه وضعوا أنفسهم موضع ابنه أو من في معناه فخاطبوه خطابه، وبذا يختفي الاسم تدريجيا وتتفرد "الكنية" كلما تقدم عمره.

بعد أن يتوفاه الله يطلق اسمه على مولود أو أكثر لقرابته أو مكانته، فيقتصر على "الكنية" التي أصبحت اسما مستقلا مع مرور الزمن! ومن غير المنتظر أن يكون معنى لكلمة محرفة نطقها رضيع.

وقد يطلق الأصدقاء لقبا من ناحيتهم (اسم الأصحاب) ويطلق المجتمع آخر إشادة أو نبزا، فتتعدد الأسماء لمسمى واحد. وربما أوقع هذا التعدد الموريتانيين أنفسهم في متاهة!

أذكر أني عرفت صديقا قبل 31 سنة تقريبا في إحدى مناطق الداخل، ثم افترقنا فكنت أسأل عنه من لقيت من بني عمومته فينفي علمه به، ومنهم من يزيد فينفي وجود الاسم فيهم أصلا! وبعد سنوات لقيته صحبة أحد من سبق أن نفوا وجوده، وبعد نقاش تبين أني كنت أسأل عنه باسمه واسم أبيه الإداريين المقتصرين على الورق، بينما يعرفهما أهلهما بلقبين أنسياهم ما سواهما، ولا شأن لهم بما دُوِّن في الأوراق المدنية!