لم تمض إلا ساعات قليلة على مؤتمرنا الصحفي المنعقد مساء الاثنين وصدور بيان عنه يندد بانتهاك دستور وقوانين البلاد وتسخير القضاء من طرف الحكومة لخدمة مآرب سياسية آنية وما يشكله ذلك من خطر مدمر على الدولة والوطن باعتباره حرابة وسيبة وانقلابا على الشرعية، حتى جاء معالي وزير الإسكان ليدلي بشهادته في المجال فعرّف قليلا وأعرض عن كثير! ومما عرّف: أن القضاء يصدر أحكاما جائرة، وأن القضاء شيء والدولة شيء آخر؛ وهي الأقوى!
وقد أثار تصريحه ردود فعل غاضبة؛ خاصة من طرف نادي القضاة الذي اعتبر أن تصريحات الوزير "تسيء إلى الدولة وتشوه سمعة البلاد" وأن "إقالته هي أقل ما يمكن فعله انتصارا للدستور ودولة القانون" وطالب بـ"إقالته فورا". ونقيب هيئة المحامين الموريتانيين الذي وصف كلام الوزير بأنه "اعتداء في منتهى الخطورة على مكانة القرار القضائي" وشدد "على أن القضاء يعامل الدولة كطرف متقاض" مضيفا أن الدستور الموريتاني مؤسس على فصل السلطات؛ وبالتالي فالسلطة التنفيذية ملزمة باحترام السلطة القضائية، وبالنتيجة باحترام القرارات القضائية.. واكتفى بمطالبة الوزير بـ"الاعتذار"!
وسواء أأساء وزير الإسكان أم أحسن، فإن تصريحه بشقيه - وهو عضو في الحكومة- لم يفصح إلا عن الجزء المرئي من جبل الثلج؛ وهو: مدى تردي حالة القضاء في بلادنا ومدى احتقار السلطة التنفيذية له، وتسخيرها إياه حتى النخاع في خدمة مآربها السياسية وغيرها!
وفي هذا الصدد نستغرب ازدواجية المعايير لدى نادي القضاة المحترم ونقيب المحامين الجليل؛ حين يتكلمون ويغضبون غيرة على الإساءة إلى الدولة وتشويه سمعة البلاد، وانتصارا للدستور ودولة القانون، ويتذكرون أن القضاء يعامل الدولة كطرف متقاض، وأن الدستور الموريتاني مؤسس على فصل السلطات.. وعليه فيجب احترام القرار القضائي!
وفي نفس الوقت ينسون الأمثال:
"وما المرء إلا حيث يجعل نفسه".. "ول آدم گطاع صوگ راصُ".. و"ومن يزرع الشوك لا يجن العنب". والمثل لا يتغير ولا يكون كذبا!
أولا يتذكر نادي القضاة المحترم أننا، في هيئة الدفاع عن رئيس الجمهورية السابق، تقدمنا أمام درجات القضاء العليا، وأمام منتدى استئنافية انواكشوط والمحكمة العليا حول العدالة، وأمام الملأ بنحو 50 أمرا وقرارا قضائيا من مختلف درجات القضاء، تخالف كلها - دون استثناء- أحكام الدستور والقوانين الآمرة وقواعد العدل والإنصاف، وتتماهي كلها مع طلبات النيابة! ناهيكم عما نعلم ويعلم غيرنا من بغي وعدوان على ممتلكات المواطنين والمستثمرين الأجانب الذين يجردون نهارا جهارا من حقوقهم؛ فضلا عما تتعرض له الحريات والأعراض والأنفس من انتهاك صارخ لهذا السبب أو ذلك؟!
أولا يشكل هذا إساءة وتشويها لسمعة البلاد، ويستدعي انتصارا للدستور ودولة القانون، ويعد مبررا لإقالة وزير العدل؟! (أباء تجر وباء لا تجر؟!).
ونحن - يا نقيبنا وصديقنا المبجل- أولم نعلن مثلا النفير في قصر المؤتمرات ونعبئ 60 محاميا للقول بنبذ أحكام الدستور ومواكبة تبييض خرقه وخرق جميع قوانين البلاد حتى أصبح المحامون أنفسهم ضحية لذلك! (خرق المادة 44 من قانون المحاماة)!
مرحبا بالخسائر (Bonjour les dégâts)
فما هي الصورة التي أعطينا عن أنفسنا، وماذا قدمنا لمجتمعنا وللعالم الذي يراقبنا عن كثب ويمحصنا لحظة بعد لحظة، لنُحْترم وننصَف؟ وقبل هذا وذاك رب العالمين! أم تريدون أن نحمد بما لم نفعل؟
نعم، يوجد قضاة ومحامون وكتاب جيدون، ولكنهم مهمشون في معظمهم، طردتهم العملة الرديئة!
العدالة لا تتجزأ، وكذلك الدستور والقوانين والمبادئ والأخلاق، وحينما تضحي بجزء منهما في سبيل الشيطان، فعليك أن تدرك أنك ضحيت بجميعها، وبنفسك أيضا!
الساكت عن الحق شيطان أخرس!
ومع ذلك، فإنها تدور.. كما قال غاليلي!