رمضان كما عشته (1)
محمدُّ سالم ابن جدُّ
وعيت الأحداث من حولي مبكرا، دخولي في عامي الثالث، لكن على شكل متقطع إلى عامي الرابع، وانتبهت لرمضان في عامي الخامس، ومرت بعد ذلك عقود تغير فيها طعمه ومظهره باستمرار، لكنه خلف أثرا في نفسي في كل الأحوال.
اقترن هذا الشهر الكريم في ذاكرتي الطفولية بقرع سكر القالب ولمعان المصابيح اليدوية والأحاديث الخافتة قبيل الفجر، فلم يكن مستساغا رفع الصوت؛ خصوصا في أواخر الليل. كما اقترن بوجبة الإفطار التي لم تكن تعدو الأرز مصحوبا بقِطَعٍ من اللحم في أحسن أحواله، وربما بالفاصوليا (آدلگان) أو "إيشركاش" أو بهما معا، أو مسلوقا بالماء المملوح فقط؛ لكنه في كل الأحوال نادرا ما يخلو من الدهن الذي لم يكن إلا حيوانيا، وقد يكون زبدة وقد يكون سمنا. وإذا خلا منه كان إدامه اللبن الرائب، فلا تُعْرف الأمراض الناجمة عن الكولسترول والحموضة ومشتقاتهما في تلك الأيام. وربما لو ذكرها ذاكر لكان حديث خرافة!
بعد التراويح تحلب المواشي، وربما عقد مجلس قصير، فمن غير المستحسن السمر بعد "التحلاب" ثم ينام الجميع إلى السحر.
في معظم عقدي الأول لم تكن توجد ساعة واحدة في تَجَمُّع يضم عشرات الأسر، ومع ذلك يحسبون الليل بدقة متناهية اعتمادا على مسار مجموعة من النجوم السيارة يسمونها "المنازل" لها قواعدها وضوابطها وشواهدها المنظومة.. ورحم الله أمي ما أشد خبرتها بحساب الوقت اعتمادا عليها.