محمدُّ سالم ابن جدُّ
لم يكن الإعلام يحتفي برمضان على النحو الحالي، وكان مقتصرا – بالمناسبة- على الإذاعة التي لا تزيد على مسلسل يومي غالبا ما يكون "غزوة بدر الكبرى" وأغان من قبيل "رمضان يا شهر الرضى والرحمة".
أما ما نراه الآن من محاضرات وندوات وبرامج فقهية وطبية فبدأ سنة 1985 واستمر في التشكل حتى صار على الحال التي نراها.
كان مسلسل "غزوة بدر" ونظراء له (منها "عمر بداية الزحف") محل بحث بين الكبار الذين لم يستوعبوا التمثيل من أصله، ويقطعون بعدم وجود وسائل توثيق الصوت في العهد النبوي، ويستهجنون هذه المحاكاة (لِحْمَار).
يخلو مسلسل "غزوة بدر الكبرى" من الموسيقى، والتخاطب فيه بالفصحى، ومعلوماته كلها صحيحة، ويبدو أنه أنتج للبث في رمضان بالذات؛ فعلى سبيل المثال تشتبك الطائفتان في حلقته السابعة عشرة بالضبط انسجاما مع الحقيقة التاريخية (كانت المعركة في السابع عشر من رمضان).
تزامن رمضان في سنوات طفولتي ومراهقتي مع موسم "ألاوه" (سبتمبر وأكتوبر وصدر نوفمبر) فكثر الإغماء والقطع بين الناشئة عند ارتفاع النهار، وكان ذوو الرأي يبغضون الإفطار للمشقة أثناء النهار ويرون أن النفس تتعوده فتتشوف إلى الشراب في مثل ذلك الوقت. ويدعون بالمقابل إلى الصبر والسكون بقية اليوم.
ومن الغريب أن يوما في غاية الشدة جاء في رمضان 1397 (1977م) فأفطر جميع الناشئة في حينا سوى فتاتين إحداهما قريبة لي منعها عمها الإفطار، والثانية ابنة أخت لي منعتها الوالدة إياه أيضا، وبعد ما أفطر المفطرون نزل الغيث ظهرا فلطف الجو وشعر القاطعون بالندم ولات حين مندم!