خصوصيات "اكلام أزناكَه"
يعقوب بن اليدالي
لم ألتق بالعلامة لمرابط محمد سالم بن عدُّودْ – رحمه الله- إلا مرة واحدة، على هامش عقد قران أختي العزيزة بدي بنت صنبه بن اعلي في منزلهم بسوكوجيم، وقد انتهزت فرصة وجود الشيخ فاقتربت منه بغية التبرك والتماس صالح الدعاء، وجثَوت على ركبتي وخاطبتُه قائلاً: "أتْشَفَغَ تَاكِشْكُنُّونْ؟" (كيف حالكم شيخنا؟) فوضع يده على منكبي وقال لي: "أَثِلْلْ" (بخير) فقلت: "مَهَللَّ يَكْمَ يَكْمَ؟ (أرجو أن تكون أحوالكم بخير) فقال: "أَثللْ أثللْ الحمد لله" (بخير وعافية لله الحمد) ثم ابتسم رحمه الله والتفتَ إلى جلسائه وقال لهم: لفتَت انتباهي ثلاث ملاحظات في اكلام أزناكَه:
الأولى أنه ليست به كلمة فحش.
الثانية: أنه إذا سمعه الخائف أمن.
الثالثة: أن المجموعات الناطقة به تعد في علية الزوايا.
ثم أردف قائلا: موريتانيا تاريخها عربي وجغرافيتها بربرية ومن الصعب الوثوق باستنتاجات الباحث الذي لا يتقن "اكلام أزناكَه".
قلت ولا قول لي:
إن الملاحظات التي توصل إليها الشيخ تشكل تسلسلاً منطقياً؛ فالمجتمع الذي أنتج لهجة نقية خالية من كلام الفحش فمعناه أنه لا يعمد إلى التعنيف اللفظي أحرى الجسدي، وهو ما يعني أنه مجتمع عالم ومسالم؛ وبالتالي فأمان الخائف بمجرد سماعه لرطانة القوم نتيجةٌ حتمية للمقدمة الأولى، كما أن النقطة الثالثة تعتبر محصلة لسابقتَيها فالمجتمع العالِم المسالم الذي يجير الخائف واللاجئ إليه لا شك أنه يتصف بالمميزات المطلوبة في المجتمعات النبيلة.
من ناحية أخرى، فقد وجدت في كلام الشيخ تفسيراً لظاهرة كانت متبعةً في بعض الأحياء الزاوية حتى وقت قريب وهي أن الصغير لا يخاطب الكبير إلا بكلام أزناكَه، فما دامت هذه اللهجة لا تشتمل على كلمة فحش فمعناه أن مخاطبة الكبير بها داخلة في إطار توقير الصغير للكبير المطالب به شرعاً وعادة.
ملاحظة:
لهجة "اكلام ازناكه" باتت مهددة بالانقراض، ولا يتكلمها حاليا إلا ثلة من الناس تنتمي لمجموعات إدابلحسن وتندغه وبني ديمان، ويوجد اختلاف بين لهجات المجموعات الثلاث، وكان الشيخ محمد سالم بن عدود من أمهر المتحدثين بها، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.