رمضان كما عشته (11)

محمدُّ سالم ابن جدُّ

علق الرجل نفسه على قصة المائدة في سورتها باستغراب قول الحواريين: ﴿هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء﴾ إذ رأى أنهم لم يختبروا قدرة الله تعالى بأمر خارق وإنما بإشباع بطونهم، مع أنه يرزقهم دواما، منبها على أهمية المطر وعلويته.

وعلق على قصة أصحاب السبت في سورة الأعراف بالسخرية من بني إسرائيل الذين شهد لهم بالسخافة والنهم، كيف لم يصبروا يوما واحدا عن الحوت مع أنهم مقيمون على الشاطئ والمفروض أنهم عافوه! فما حالهم لو امتُحنوا بالكباش السمان أو أسنمة الإبل وأكبادها؟!

وعلى قصة الملائكة مع إبراهيم ولوط في سورة هود (على الجميع السلام) بالقول: "ألاَّ ذ هو ال ينحمل من الخطار! الطعام ما ايظرُّوه، أصاحبهم بَيّْ بوه حد لحگو" ﴿لن يصلوا إليك﴾ "افلش هو ذاك بعد!"

.. وهكذا حاله مع مواضع كثيرة من القرآن العظيم.

يحدث هذا بعد الصلاة في مجلس لنا بمنزل أحد الأفاضل هناك. وفي إحدى الليالي سأله أحد الجماعة إنجاز مهمة له بالولاية فتظاهر بالرفض فسألَنا صاحبنا الشفاعة له فتكلم بعضنا، فلما أردت أنا التكلم قال: أنت وحدك لا تستطيع الشفاعة عندي، فقلت متعجبا: لماذا؟ قال: لأنك تتعبني كل ليلة بـ"آغبابيد" ولم تقل هذا شيخ ضعيف تؤلمه ركبتاه.. هل نقصت عني سورة أو ثُمُنا أو آية؟! لا تعقِّد الأمر إن شئت بتدخلك.

وسألني مرة عن صديق – أو قريب- له (توفي عن أبناء صغار) هل يناله أجر ماله المستهلك في الولائم التي جرت العادة بصنعها في مثل ذلك الظرف؟ فقلت له إن المال بمجرد موت صاحبه - باستثناء تجهيزه ودينه ووصيته إن كانت، ونصيب زوجه- صار مال اليتامى ولا سبيل عليه، والأفضل ترك ما ذكر، فإن كان ولا بد فليكن من مال الرشداء على الأقل. فقال: "آن بعد صرتك ما يجبر عندي شي! مات ما گط غرَّمني، إيعدلها ظرك فات ج اعليه آهراس لِكْرَبْ؟ ما جات. واليتامى گاع كركاره! حد إيتم إيدور خير مولانا إلى ايطيح افباسو؟ ذاك زامگ من أراي".

من جماعتنا تلك أشخاص من الذين يرون خطأهم صوابا ويسعون لحمل الناس عليه، ومن أمثلة ذلك أني على مدى عدة سنوات لم ألفظ اسم "التراويح" إلا وبادر أحدهم بالقول مصححا: "تراوحت" فلا أنا عدلت عما أقول، ولا هم تركوني وشأني، إلى أن فارقتهم آسفا على فراقهم فاقتصر اللقاء على سلام عابر بالعاصمة، أو لعلهم عادوا مثلي من حيث أتوا.