رمضان كما عشته (12)

 

محمدُّ سالم ابن جدُّ

في التجمعات المتعلمة يعاني إمام التراويح أحيانا من مراهقين وأطفال تتزايد أعدادهم مع تأخر الشهر، جاؤوا لسماع محفوظهم وتَصَيُّد فرص الإصلاح. بمجرد تنفس الإمام أو نحنحته أو صمته لأي سبب يرشقونه بالكلمات التي قد لا تكون صوابا أحيانا، وهو ما يشوش ذهنه ويخل بسكينة الصلاة.

وإذا كانت جماعات المساجد الآن تصلي التراويح بالعراء ترفا فقد كانت الصلوات كلها في البوادي تقام في العراء إذا استثنينا ظل شجرة أو دفء أشجار مقطوعة.

آخر عهد لي بهذا كان في رمضان 1409 (إبريل وبعض مايو 1989م) حين زرت مسقط رأسي أواخر شعبان قادما من انواذيبُ، فأمرني شيخي محمدٍ ابن انبَتْ (الدِّنَّه) - رحمه الله وجزاه عني خيرا- بالمكث لصلاة التراويح، ولم يكن قد شيد مسجد هناك وقتها، كما أن الأكثرية كانت مقيمة في خيام الصوف.

في تلك الليالي النورانية كان من يلونني مسنين يتنفلون جلوسا فيشتد علي وقع "الساحلية" في قيامي لعدم حاجز دونها، وربما ترامى الغلمان المصطفون خلف الرجال بما وصلته أيديهم فأجد نصيبي منه غير منقوص للسبب ذاته.

شهر تاريخي جرت خلاله أحداث مأساوية بين الجيران الأشقاء بتدبير عنصريين نزقين من الطرفين، ودفع الموريتانيون ثمنه أضعافا مضاعفة من عدة أرصدة؛ ماديا ومعنويا وسياسيا، وفي النهاية بادر حكامهم - فور صدور الأمر بذلك من فرنسا- إلى طي الملف دون أن يكلفوا سلطات السنغال بمجرد اعتذار شفهي.