رمضان كما عشته (16)

 

محمدُّ سالم ابن جدُّ

غَبَرَ زمان حلو كنت غفلا (كحوار في الإبل) يسعى غيري فأستفيد من سعيه، ويخطئ أو يقصر فلا أتحمل وزره، ومع الأيام انتقل موقعي فكان علي أن أعتمد خطة اقتصادية تناسب مختلف الأحوال، وما أصعب التخطيط في البيت الموريتاني وأقل انطباق التوقع على واقعه.

لذا فخطتي السنوية جاهزة دائما وأحفظها عن ظهر قلب لأنها خطة واحدة شببت عليها واكتهلت؛ أراجعها وأمحصها ثم أنسى تطبيقها حتى يفوت وقتها فأرجئها إلى العام المقبل، لكني أنساها حتى يفوت وقتها فأرجئها إلى الذي بعده.. وهكذا.

من ذلك أنني عندما تثب أسعار المواد الضرورية للصوم والإفطار بداية رمضان أزمع استباق رمضان المقبل بشراء ما لا يفسده الاقتناء مما أحتاجه فيه، لأن "مرطة" الحر واحدة كما في المثل. وأعيش على ذلكم بقية العام حتى أجد نفسي في رمضان وقد وقع الفأس في الرأس! ولم يزل هذا دأبي منذ ثلاثة عقود.

ومما حيرني في نفسي أنني لا أعاني مشكلة في الصوم لله الحمد، ولست ممن يجهده، وقلما أشعر بالجوع أو العطش، وترتفع إنتاجيتي فيه، ومع ذلك أمضيت 20 سنة ينتابني القلق كلما اقترب رمضان حتى إذا قلتُ: لن يعود هذا اليوم إلا في رمضان أعلنتْ نفسي حالة طوارئ قصوى تستمر حتى آخر أسبوع منه فيبدأ الانفراج حين أقول: لن يعود هذا اليوم في رمضان.

فإذا انسلخ الشهر الكريم شعرت براحة تدوم حوالي نصف العام، فإذا انتصف ربيع الأول بدأت أقلق من اقتراب رمضان على نحو ما سلف.

لم أدر أهو شعور بعظمة رمضان، أم قلق من تعذر صومه، أم له سبب آخر، لكنه اختفى منذ عام 1999 فبدأت أشعر باقترابه ثم بانسلاخه على نحو عادي خال من رهبة لقدومه أو سرور لوداعه.