رمضان كما عشته (17)

 

محمدُّ سالم ابن جدُّ

لا يقتصر الإزعاج والمعاناة على الأمر العظيم المجهد؛ بل إن الأمر الصغير الخفيف في الظاهر قد يكون أشد إزعاجا وتنغيصا وأثقل مما يفوقه بأضعاف حسا ومعنى.

من ذلك أننا صمنا رمضان 1411هـ (1991م) في العاصمة الاقتصادية (وكان آخر رمضان لي هناك) ونحن ثلاثة أساسا، وربما انضاف إلينا غيرنا، وفي مستهل الشهر الكريم ارتأى أحدنا – سعيا إلى "الرومانسية" وإحياء للتراث- أن يكون شرابنا رائبا فلم يعترض أحد. ولا أذكر من كان صاحب الفكرة ولكني أذكر أن العناء الناجم عنها كان من نصيبي أنا.

لتجسيد تلك الفكرة انتقى صاحبها علبة بلاستيكية تسع لترين (2) من زيت المحرك، فأجاد غسلها وتنظيفها حتى ساغ أن تغبطها أواني "المروب" في البوادي على نقائها، ولا أدري أين وجد "مَصْلَحًا" ولكن الأمر تم على ما يرام.

كان موقع علبة "المروب" في جواري معظم الوقت، وكانت جار سوء حقا؛ فطالما تفاعلت البكتيريا والغازات بداخلها فحولتها إلى زق مستدير، ومن أدق ما فيها قعرها الذي يصير ذروة ناتئة لا يقوم عليها قائم فتخر ساقطة مؤذنة بانفجار مدمر.

أهب للنجدة فيقضي الإسعاف الأولي بتفريغ الضغط، وعند ما أدير الغطاء قليلا يندفع الهواء محملا باللبن الخاثر بركانا، فأتحمل ذلك في سبيل ما أنا بصدده، وبعد إفراغها من الهواء وترك ضمور احتياطي فيها أغسلها وأغسل ما أصابه محتواها ثم لا ألبث إلا قليلا حتى يصرعها الغضب فأنجدها فتفور من الغيظ ويتكرر الحال ذاته.. وهكذا سار الأمر بيني وبينها.

بعد انتهاء رمضان جرى حديث بيننا عن أشد ما عاناه كل منا خلاله، فلم أجد أشد علي من الصراع مع "مروبنا" الغضبان؛ لذا قلت:

ذا الشهر اشْقابُ ماهُ دونْ ** واَطَمّْ الِّ ريت الْياليه

ألاَّ تسحامِ للبيدون ** وامسيح افيمُ واتياليه.