رمضان كما عشته (20)

 

محمدُّ سالم ابن جدُّ

في رمضان 1402هـ (يوليو 1982م) أعلن الرئيس هيداله عن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في كافة المجالات، فقررت شخصيات راجحة في النخبة الموريتانية تنظيم مسيرة مؤيدة لهذا القرار. ولمشقة السير في يوم رمضاني شديد الحرارة وفر بعض رجال الأعمال الداعمين شاحنات وقاطرات تجوب الشوارع بالمتظاهرين.

بعد تلاوة مؤثرة قدمها الشاب محمد عبد الرحمن بن محمد محمود (إمام جامع قطر بالميناء الآن، شفاه الله) ألقى الشيخ محمد سالم ولد عبد الودود - رحمه الله- كلمة الانطلاق محفوفا بمجموعة من العلماء والقضاة منهم مَن ما يزال حيا بحمد الله، ثم ألقى الطالب الشاب أحمد الحسن بن الشيخ (رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الآن، حفظه الله) قصيدة نونية كاملية استهلها بالقول:

اليوم ولَّى عهد نابليون ** وانهدَّ صرحُ بنائه المأفون
هذا أبو جهل تُعَفِّر خدَّه ** قدم ابن مسعود ضجيعَ منون..

ثم ألقى عضو نافذ في اللجنة العسكرية الكلمة الرسمية التي كانت أقرب إلى التأنيب والازدراء، وكانت بحسانية فظة! ومما جاء فيها: "لقد طبقنا الشريعة لأنا أردنا ذلك؛ ليس من أجل وجوهكم الشاحبة وأفواهكم العطاش وعيونكم الجاحظة" وواصل على هذا المنوال.. وحين أنهى كلمته رأيت أحد مجموعة العلماء (ليس ممن ذكرت أسماءهم) يقبل جبينه بينما كان ضاحكا مسرورا.. وانطلقت المسيرة.

وفي نشرة الثامنة والنصف كانت لخبر المسيرة الصدارة، وأعيدت صياغة خطاب عضو اللجنة العسكرية فزعمت الإذاعة أنه قال إن اللجنة العسكرية اتخذت هذا القرار التاريخي لأن ضميرها يملي عليها اتخاذه وليس من أجل ضغط داخلي ولا خارجي ولا مراعاة لمواقف الغير من سياسة البلاد الداخلية!

ابتداء من تلك الليلة بدأت أفهم خطورة وسائل الإعلام وقدرتها على قلب الحقائق.