في الذكرى الـ75 لنكبة فلسطين
يوم الخامس عشر (15) من مايو سنة 1948 يوم تكريس اغتصاب فلسطين، وإبادة وتشريد شعبـها، وقيام دولة العصابات الصهيونية "إسرائيل" على أرض فلسطين! إنـه يوم النكبة بامتياز.
لقد مرت الآن عقود على النكبة!
وليست النكبة نكبة شعب فلسطين الذي ظل يتعرض من بداية القرن العشرين للإبادة، والتشريد والاحتلال إلى يومنا هذا؛ بل هي نكبة العرب والمسلمين والبشرية جمعاء!
نكبة العرب الذين تم فصل إقليمهم الجغرافي المتصل، وغُرس في قلبـه حاجز استيطاني عنصري عدواني مرتبط بمصالح وأهداف قوى الغزو الاستعماري التي خلقتـه وحمتـه.
ونكبة المسلمين، الذين استبيح حماهم، واغتصبت ودنست قبلتـهم الأولى ومعراج نبيهم عليه الصلاة والسلام!
ونكبة الإنسانية التي صليت بَغْيَ وطغيان وفساد إسرائيل الذي عم مشارق الأرض ومغاربـها، كما كانت النازية، والاستعمار، والفصل العنصري، وأكثر!
إننا، ونحن نحْيي ذكرى النكبة هذا العام، ونضع حصيلة - ولو تقريبية - لعمرها، لا بد أن نسجل - بمفهوم من يعد بالقرون - أن النصر آت، وأن الضوء بدأ يلوح في نـهاية النفق.. ولو من بعيد؛ وذلك للأسباب التالية:
- أن شعب النكبة لم يعد لاجئين ينتظرون الصدقات ويتكلون على الجيوش والعروش العربية؛ بل أصبح جيشا من المقاتلين الأشداء الذين يزلزلون الأرض تحت أقدام الغاصبين، ويخلقون شروط التحرير، والعودة، وتأسيس دولة فلسطين الديمقراطية؛ رغم قسوة الظروف، وتفرق الصفوف، وتخاذل الأنظمة العربية الخائرة في مجملها.
- أن شعوب الأمة العربية والإسلامية لا تزال تحفظ تاريخ النكبة، وتتمسك بالحق الفلسطيني الذي هو حقها، وترفع راية المقاومة عالية في أكثر من قطر!
- أن الجبـهة العالمية المعادية للصهيونية والاستعمار والهيمنة تصحو وتتسع يوما بعد يوم في كافة أرجاء المعمورة!
- أن الدولة الصهيونية (رغم ترسانتيها التقليدية والنووية، والدعم الذي تلقاه من حُماتـها الأمريكان) بدأت تنـهار، وينـهار حُماتـها في أكثر من جبـهة: العراق، فلسطين، أفغانستان، لبنان، باكستان، تركيا، قبرص، أمريكا الجنوبية.. وحتى في أوروبا وأمريكا نفسها! وهذا ما جعل حديث الإسرائيليين وحُماتـهم العارفين بكنـه إسرائيل (الوهن الداخلي والفساد، الهزائم المتكررة، توقف الهجرة، والهجرة المضادة، القنبلة الديمغرافية.. الخ) لا يدور في هذه الذكرى - ولأول مرة - عن مجد وخلود إسرائيل؛ وإنما عن زوالها!
قد يقول لي قائل: على رسلك أيها المتنبئ، أوليس أمسنا خيرا من يومنا؟! ومثالا مصر وموريتانيا أكبر دليل على ذلك! إذ هاهي مصر قائدة العرب طبّعت مع إسرائيل وهنأتـها بعيد ميلادها الستين وسارت في ركب أمريكا الاستراتيجي!وموريتانيا التي قطعت علاقتـها الدبلوماسية مع أمريكا، وهي في السابعة من عمرها، ولعبت دورا حاسما في إخراج إسرائيل صاغرة من إفريقيا، هاهي ذي مطبعة، وتحتفل - في عهدها "الديمقراطي" الزاهر- بقيام إسرائيل، وتسقط من جدول أعمال حكومتـها الجديدة مجرد الحديث عن قطع العلاقات المخزية الآثمة مع إسرائيل!
ولكني أقول له: إن أسباب ومظاهر الوهن في الأمة أكثر مما ذكرت؛ ولكنـها الشجرة التي لا تستطيع إخفاء غابة النصر وزوال إسرائيل الوشيك، شريطة أن نحسن إدارة الصراع! أولم يحتل الصليبيون الإفرنج مشرقنا مدة قرنين (1099- 1291م) ثم طردوا منـه أذلة صاغرين؟!
نشر في يومية "السفير" العدد 708 الأربعاء 14/ 5/ 08.
(من كتاب "أزمة الحكم في موريتانيا").
ملاحظة: كتب هذا المقال منذ خمس عشرة (15) سنة، تحقق خلال السبع الأوائل منها ما كان مستحيلا في نظر البعض، فثارت مصر وانتصرت ضد مبارك ومرسي، وتم تصحيح المسار في موريتانيا وطردت منها إسرائيل، وهزم الروم والصهاينة وحلفاؤهم في العراق وسوريا ولبنان وغزة، وتمت المصالحة والوحدة في فلسطين!