ما عشناه 67 كان انتفاضة (ملف خاص 6)

 

محمد فال ولد بلال

يوم 5 يونيو 1967، تغير كل شيء في العاصمة وفي البلد عموما. خرج الطلاب من المدارس، وأغلقت الأسواق، ورفع الأذان، وتجمهر الناس في الشوارع حول الإذاعات.. لا صوت يعلو فوق صوت "إذاعة موريتانيا" من انواكشوط و"صوت العرب" من القاهرة. كانت موريتانيا حقا في حالة حرب. أمر الرئيس المختار ولد داداه [رحمه الله] بإلغاء برامج الإذاعة الوطنية مُطلقا لكيْ تبُث حصريا القرآن الكريم في أوقاته المُعتادة، ونشرات الأخبار، وما عدا ذلك مكرس 24/24 ساعة لبث البيانات العسكرية الصادرة عن الجيوش العربية، وأناشيد "فاغو".. فقط لا غير!

خرجنا من الثانوية صبيحة يوم 6/6 واتجهنا بالمئات صوب السفارة الأمريكية مسلحين بالحجارة وحاملين لافتات منددة بالعدوان وبموقف الولايات المتحدة. ساعات طويلة من المناوشات مع الشرطة والحرس الوطني. وفي اليوم الموالي، أعلن عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وبريطانيا، وصدر قرار بطرد السفير الأمريكي واعتباره "شخصا غير مرغوب فيه".
وما إن سكتت المدافع حتى انطلقت حملة وطنية لجمع التبرّعات لصالح فلسطين، وتولى الرئيس شخصيا الإشراف عليها لتشمل جميع المدن والأرياف على عموم التراب الوطني... ورغم صعوبة الأوضاع آنذاك، حيثُ لا طرقات معبدة، ولا هواتف ثابتة وبالأحرى منقولة، ولا فضائيات، ولا إذاعات جهوية، ولا أموال. رغم ذلك كلّه، فقد تكللت تلك الحملة بنجاح باهر..
‎في بوادي مقطع لحجار، كنت أسمع ليلا ونهارا عن التبرع لفلسطين.. وعن هدية فلان وفلان وعطاء الفلانيين.. إلى أن وصلت البعثة خيامنا. رأيت عددا من الهدايا: بقر وأغنام وحمير ومفروشات وحلي نساء... ومن ضمن الهدايا جمل أبيض، طويل القامة، سريع الخطى يدعى "بو اگليده" كنت أركبه وأجله.. كل ذلك لفلسطين أو على الأصح لـ"بيت المقدس"..
‎رأيتُ بأم عيني كيف انتفضت المرأة في خيْمتها هناك... في مرابع آفطوط... بعيدا عن الإدارة والرئيس والإعلام والسعي للوظيفة أو الترقية... لتجُود بأحسن وأجمل ما عندها من حلي ومفروشات لفائدة فلسطين. ورأيتُ بأم عيني كيف تسابق الرجال أداء للواجب الديني والأخلاقي... ولن أنسى ذلك المشهد المهيب وكيف تكون النتيجة عظيمة، ورائعة، ومُبْهرة...عندما تقفُ "القمة" و"القاعدة" على قلب رجل واحد.
وباختصار شديد، أقول وبدون مُبالغة: إنّ ما عشناهُ في يونيو 1967.. انتفاضة!
رحم الله السلف وبارك في الخلف.

نشر أولا بتاريخ 07 يوليو 2020