ثلاثة مواويل في ذكرى حبيب (1)

1. النعي

رحل الحبيب 

فاتح نوفمبر (عيد جميع القديسين) أصبح من أيام وطن أتراحه أكبر من أفراحه: رحل الحبيب..!

* * *  

في تاريخ الأمم لحظات حالكة يختلط فيها الجد بالهزل، والحق بالباطل، والحابل بالنابل. نحن نعيش تلك اللحظات منذ عقود من الزمن.

وفي اللحظات الحالكة، تسطع في سماء الشعوب الأصيلة معالم تنير الطريق، وتـهدي سواء السبيل.

الأستاذ حبيب ولد محفوظ، كما د. جمال ولد الحسن، ود. محمد ولد أحمد عيشه، والأستاذ چاگانا عثمان، كانوا من تلك المعالم.

لم يملكوا بنوكا، ولا أساطيل صيد، ولا شركات تابعة، ولم يكونوا وزراء، أو مسؤولين في النظام.

لكنـهم - بمقياس "ما ينفع الناس"- قاتلوا الظلم، والحرمان، والفساد، والهمجية، كل في ميدان تخصصه، وأرادوا الخير والحرية وغدا أفضل لشعب طيب لا يستحق الهوان! ووقفوا شامخين، لا يغريهم حافز، إلى أن وافتـهم المنية.

فتحية إليهم، وإلى تربة أنجبتـهم، رغم الكوارث البشرية، ورغم الجفاف والتصحر.

* * *

أيها الحبيب، مأساة القلم عندنا مزدوجة:  

يحترق لينير الطريق.  

ويحترق لوحشة الطريق.

نحن لم نلهم غريزة المشي بعد..

... إنا هاهنا قاعدون..

والقاعدون لا يحتاجون إلى طريق، ولا إلى نبراس، ولا إلى قلم!

وإذا احتاجوا.. وإذا احتاجوا؟ فلدينا اكتفاؤنا وزيادة، من عيدان الحشيش الصفراء، التي يمجها الحبر، وينبذها ويجلدها العصر.

* * *

أيها الحبيب،

هذه ليلة تمام البدر..

ليلة العشاق..

فلم تأخرت عنا..؟

لِمَ لم يشرق وجهك البـهي في سمائنا؟

"تأخرت عن وعد الهوى يا حبيبنا ** وما كنت عن وعد الهوى تتأخر"

ما كان من شيمتك أن تتأخر، في مثل هذه الليلة، عن رُبًى وألوية نيطت بـها تمائمك، وفيها حبوت، وصبوت، ودرجت، وناغيت بلغة سيبويهية أقلمتـها مفردات وصيغ صنـهاجية وولفية!

ما كان من شيمتك أن تتأخر، في مثل هذه الليلة، عن ندامى سمر الأرض المتواصل إلى تباشير صباح طالما رصدْتـه، صباح تمتزج في خيوط فجره الطري الشاحب تراتيل القرآن، وتسابيح الأذان، بعويل أعواد إگيدية عتيقة تندب عصرا غابرا، ونحيب أطفال جفت ينابيع أمهاتـهم يواجهون مستقبلا عاثرا، وزقزقة عصافير كسيحة هبت من وكناتـها، وصوت شجي ينادي جهة دار أهل يرگيت: يا انگونـه.. يا انگونـه.. يا انگونـه!

كم يعذب العشاق كسوف البدر ليلة تمامه! ..

وفي ليلة تمام البدر، قد يفتقد البدر!

* * *

تحية وتعزية إلى ذويك، وأصدقائك المخلصين.   

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* تأبين كتب غداة رحيل المرحوم حبيب ولد محفوظ؛ لكنه لا يزال - في رأيي- غنيا عن أي تحيين رغم كثرة المتغيرات ومرور 11 سنة بعد كتابته.