هذا الاعتراف الامريكي الواضح، بعجز "اسرائيل" بالقضاء على حماس، وبأن مصير نتنياهو السقوط والاختفاء عن المشهد السياسي، ما كان ليرى النور، لولا الصبر الاسطوري لأهالي غزة، والصمود الملحمي للمقاومة فيها.
هذا الاعتراف، هو - في الحقيقة- اعتراف بعجز أمريكا نفسها، عن تحقيق اهداف العدوان، ومن بينها القضاء على حماس وتهجير أهالي غزة؛ فأمريكا كانت وما زالت الطرف الرئيسي الذي يدير الحرب على غزة، ولولاها لكان وجود "اسرائيل" في خطر حقيقي بعد معركة "طوفان الاقصى" لذلك سارع الرئيس الامريكي جو بايدن، في اليوم الثاني من الطوفان، إلى تجنيد كل إمكانيات أمريكا العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية، لنصرة "إسرائيل" المهزومة والمهزوزة.
لقد منح بايدن نتنياهو كل ما يحتاجه وأكثر، من سلاح ورجال ومال ووقت؛ بل شاركت أمريكا في العدوان على غزة بشكل مباشر وما زالت، لهزيمة حماس وكسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزة، وإعادة "الهيبة" المزيفة لـ"إسرائيل" ورفضت - وما زالت ترفض- كل مشاريع القرارات التي تقدمت بها دول العالم في مجلس الأمن الدولي لوقف العدوان، ولم يحصد سوى فضيحة أمريكا، وانكشاف هشاشة وعجز "إسرائيل".
أدرك بايدن، متأخرا، أن رهانه على نتنياهو كان - في الحقيقة- رهانا على حصان أعرج؛ فالأخير لم يفضح أمريكا، ولم يجعل منها معزولة ومنبوذة أمام العالم فحسب؛ بل ألحق أضرارا لا يمكن إصلاحها بشعبيته وأدى لانحسار حظوظه الانتخابية، بعد أن شاركه في قتل أكثر من 31 ألف فلسطيني، أكثر من 70 بالمائة منهم، من الأطفال والنساء. لذلك بدأ باتخاذ إجراءات استعراضية، حاول من خلالها، الظهور بمظهر من لا يتفق مع نتنياهو والابادة الجماعية التي يرتكبها ضد العزل في غزة، منذ أكثر من 5 أشهر، في محاولة بائسة ويائسة، لتطهير نفسه، وترميم شعبيته التي باتت بالحضيض. ومن بين تلك المحاولات، تصريحاته التي انتقد فيها نتنياهو، واستقبال واشنطن لغريم نتنياهو، غانتس، وأخيرا التقرير الذي صدر أمس عن الاستخبارات الأمريكية.
الشيء الوحيد الثابت في كل هذا المشهد، هو أنه لا خلاف بين أمريكا و"إسرائيل" فالأخيرة ليست سوى قاعدة أمريكية متقدمة في قلب العالم الإسلامي، وليس هناك من رئيس أمريكي دعم – ويدعم- "إسرائيل" أكثر من بايدن، وليس هناك من خلاف بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، بشأن العدوان على غزة، وإن بايدن ونتنياهو يحركهما الحقد نفسه على الشعب الفلسطيني؛ لذلك لا تجد من أثر لتعاطف إنساني مع الفظائع التي ترتكب بحق الطفولة في غزة، لا في وجه بايدن ولا نتنياهو، وكل ما هنالك هو بايدن ساخط على نتنياهو، لعجز الأخير عن حسم قضية حماس، رغم كل الإمكانات التي وضعها في اختياره. وهو عجز استمر طويلا، حتى اقترب من موعد الانتخابات الأمريكية، وألقى بظلاله عليها؛ وهو ما اضطر بايدن إلى أن يفكر جديا في التخلص من نتنياهو، والإتيان بشخص آخر، يعمل على إنزال أمريكا و"إسرائيل" من أعلى الشجرة، على أمل ترميم صورته التي تمزقت، بعد أن أثبتت غزة، أنها ليست لقمة سائغة.
(عن قناة "العالم")
أربعاء, 2024/03/13 - 14:24