"إرشاد المقلدين" في أطروحة دكتوراه بجنوب إفريقيا

 

يعدّ هذا العمل أطروحة أكاديمية تحت عنوان "ترجمة مشروحة لمخطوطة إرشاد المُقلّدين عند اختلاف المُجتهدين" وقدّمها الدكتور مقدم فايك جاميليدين ضمن متطلبات الحصول على درجة الدكتوراه في الآداب والفلسفة (الدراسات الإسلامية) في جامعة جنوب إفريقيا. يرتكز البحث على نص مخطوطة قديمة كتبها الشيخ سيديا بابه الشنقيطي، أحد العلماء البارزين في المدرسة المالكية في موريتانيا، ويهدف إلى تقديم ترجمة شاملة للنص الأصلي مع شرح وتفسير لأبرز موضوعاته.

 

1. السياق التاريخي والفكري:

يبدأ العمل بمقدمة تاريخية تثبت مدى تأثير الإسلام وانتشاره في غرب إفريقيا. يستعرض الباحث نشأة الإسلام في المنطقة منذ القرون الأولى، مع تسليط الضوء على كيفية انتقال الثقافة واللغة العربية إلى المنطقة، وانتشار المدرسة المالكية، والتي أصبحت المرجع الفقهي الأساسي في هذه البلاد. كما يتطرق إلى دور مراكز العلم العريقة مثل تمبكتو، التي كانت بمثابة منارة للمعرفة والبحث العلمي، حيث اجتمع العلماء والطلبة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

 

2. محتوى المخطوطة:

المخطوطة التي تناولها الكتاب تحمل عنوان "إرشاد المُقلّدين عند اختلاف المُجتهدين" وتتناول قضية الاختلافات الفقهية بين العلماء المستقلين (المجتهدين) الذين يمارسون الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية من المصادر الأساسية؛ أي القرآن والسنة. ويشرح النص:

مفهوم الاجتهاد، وكيفية استنباط الأحكام بناءً على مبادئ شرعية محددة.

مفهوم التقليد؛ أي اتباع المذاهب الفقهية التي نشأت نتيجة لاختلاف الاجتهادات.

عملية الترجيح، وهي الطريقة التي يتم بها تفضيل دليل على آخر عند تعارض النصوص أو الآراء.

هذه الموضوعات تُعرض بأسلوب نقدي وتحليلي يعكس التوازن بين الحفاظ على التراث القديم وتقديم رؤية نقدية لمعالجته من منظور علمي معاصر.

 

3. السيرة الذاتية للشيخ سيديا بابه:

يتضمن الكتاب فصلًا خاصًا يُعرّف بسيرة الشيخ سيديا بابه، مؤلف المخطوطة؛ حيث يُستعرض:

نشأته في منطقة شِنقيط (وهي منطقة تاريخية معروفة في موريتانيا) وكيف كانت البيئة التعليمية والثقافية في ذلك الزمان.

تجربته التعليمية المبكرة التي بدأت بحفظ القرآن قبل بلوغه سن العاشرة، وما رافق ذلك من تكوين علمي بفضل وفرة العلماء والأساتذة الذين تربى على علمهم.

الظروف التي مرّ بها في صغره؛ خاصةً فقدانه لوالده وجدّه في وقت مبكر، وكيف أثّر ذلك في نضجه الفكري والروحي.

مساهماته العلمية والكتابية التي شملت مواضيع متنوعة من الفقه والعقيدة إلى علوم اللغة والتفسير.

 

4. الترجمة المشروحة والتعليق:

يحتوي الجزء الأكبر من العمل على ترجمة دقيقة للنص الأصلي للمخطوطة، مع تعليق مفصل يوضح معاني العبارات والمصطلحات الفقهية الصعبة. يشمل ذلك:

تقسيم النص إلى فصول وأبواب تتناول موضوعات محددة، مثل تحليل أسباب اختلاف الآراء بين العلماء، وإثبات وحدة الشريعة رغم هذه الاختلافات.

عرض للآراء والحجج التي يقدمها النص فيما يتعلق بضرورة اتباع الدليل الشرعي وعدم السماح للذوق الشخصي بالتدخل في استنباط الأحكام.

تقديم شروح وملاحظات نقدية تسهم في توضيح السياق التاريخي والفقهي لكل جزء من المخطوطة؛ مما يتيح للقارئ فهم الإطار العام للفكر الإسلامي في تلك الفترة.

 

5. الأهمية العلمية والثقافية للعمل:

يبرز البحث أهمية دراسة المخطوطات القديمة في غرب إفريقيا، حيث يعتبر هذا التراث جزءاً لا يتجزأ من الحضارة الإسلامية العالمية. ويوضح الكتاب أن:

المخطوطات التي أنتجها العلماء الأفارقة قد ساهمت في إثراء الفقه الإسلامي والعلوم الشرعية بطرق لم تحظَ بالاهتمام الكافي في الدراسات الغربية أو حتى العربية.

دراسة مثل هذه النصوص تساعد في إعادة اكتشاف جذور الفكر الإسلامي وتوثيق الإرث العلمي للمنطقة؛ خاصةً في ظل الجهود المبذولة للحفاظ على المخطوطات والتراث المكتوب الذي يعتبر شاهدًا على تاريخ طويل من الإنتاج العلمي والثقافي.

العمل يُعدّ جسرًا يربط بين الماضي والحاضر؛ حيث يقدم أدوات لفهم التطور الفكري والفقهي الذي ساهم في تشكيل الهوية الإسلامية في غرب إفريقيا.

باختصار، يقدم الكتاب دراسة متكاملة تجمع بين الترجمة الدقيقة للنصوص القديمة، والتحليل النقدي العميق للمفاهيم الفقهية، والسيرة الذاتية للعلماء الذين ساهموا في هذه التراثية، مما يجعله مرجعًا مهمًّا لفهم تطور الفكر الإسلامي في غرب إفريقيا وأثره على الثقافة الشرعية المعاصرة.