مرافعة أمام الغرفة الجزائية الجنائية لدى محكمة استئناف نواكشوط (6)
الأستاذ محمدٌ ولد إشدو
تاسعا: أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي لم يشهد ضده أحد قط في هذه المسطرة (وهذا ما بينه بوضوح زميلي العزيز الأستاذ جعفر ولد ابّيْ في استقصائه لجميع محاضر الضبطية والتحقيق، وتبيان خلوها – على علاتها الكثيرة - من دليل إثبات واحد ضد الرئيس محمد ولد عبد العزيز) والذي رفضت محكمتا الأصل والاستئناف الاستماع إلى شهوده بالنفي، يدلي ويتمسك بشهادات نفي في الملف أدلى بها كل من فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ورئيس المجلس الدستوري جالو آمادو بتيا، والوزير الأول الحالي المختار ولد أجاي، ونائب رئيس "لجنة التحقيق البرلمانية" الوزير الأول الأسبق الأستاذ يحي ولد الوقف، والنائب برام ولد اعبيد، والوزير حيموده ولد رمظان، والوزير سيدي ولد سالم!
عاشرا: إن ما ذهب إليه الادعاءان من تفسير موغل في الخطأ والخطل للمادة 16 من قانون مكافحة الفساد، حين حاولا بها قلب عبء الإثبات على المتهم وانتهاك قرينة البراءة خلافا للقرآن العظيم وللسنة النبوية وللفقه والدستور، وخرقا للمواثيق الدولية التي تحظر إجبار المتهم على الشهادة على نفسه؛ وذلك للحصول بها على بينة عجزا عن الحصول عليها بعددهم وعدتهم، لَيجعلنا ندعو محكمتكم الموقرة إلى الاستئناس في مجال استصحاب قرينة البراءة في مواجهة الشعوذة بقرار محكمة النقض المصرية رقم 80342 بتاريخ 27 /4/ 2004 الذي جاء في إحدى حيثياته: "حيث وجدت محكمة النقض أن الأصل في المتهم البراءة، وأن إثبات التهمة قِبَله يقع على عاتق النيابة العامة التي عليها وحدها عبء تقديم الدليل على ارتكاب المتهم للجريمة؛ حيث لا يملك المشرع نقل عبء الإثبات إلى المتهم خلافا لهذا النص الدستوري؛ والذي تم تأييده من قِبَل المشرع نفسه في قوانين الإجراءات الجنائية". وتقول حيثية أخرى من القرار نفسه: "ولما كان الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن الأول لعجزه عن إثبات مصدر مشروع لما طرأ على ثروته من زيادة لا تتناسب مع موارده يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، لأنه قام على افتراض ارتكاب المتهم للفعل المؤثم؛ وهو الكسب غير المشروع، لمجرد عجزه عن إثبات مصدر الزيادة في ثروته، وكان الحكم المطعون فيه إذ دان المتهم بناء على هذا الافتراض الظني وقَلَبَ عبء الإثبات مستندا إلى دليل غير مشروع وقرينته فاسدة تناقض الثوابت الدستورية التي تقضي بافتراض أصل البراءة ووجوب بناء الحكم بالإدانة على الجزم واليقين لا على الافتراض والتخمين، فإنه يكون مستوجبا النقض ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه وإعلان براءة الطاعن الأول مما أسند إليه"!
حادي عشر: يحاول بعض عمدائنا وزملائنا الذين صنعوا هذا الملف تجريم قبول الهدايا ويسمونها غلولا، بينما الغلول هو الأخذ من الغنيمة سرا قبل قسمها! ويستدلون على ذلك التجريم المزعوم بأمثلة ناصعة من سيرتي الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والرئيس المختار ولد داداه رحمه الله. وهي أمثلة حسنة يجمل الاقتداء بها طبعا من طرف الجميع قمة وقاعدة، وخاصة الآن في ظل طوفان الفساد العارم الذي يعم البلاد. ولكنهم ينسون - أو يتناسون- أمرين جوهريين هما:
* أن ما يجمُل فعلُه، ليس كما يجب فعله بقوة القانون ويُعاقب عليه بنص؛ ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا يوجد لدينا حتى الآن نص يُجَرِّمُ قبول الهدايا.
* أن من يثير سيرة الخليفة عمر بن الخطاب الزكية ويريدنا أن نتأسى به وبالرئيس المختار ولد داداه، يجب عليه - كي نستمع لمواعظه خاشعين- أن لا يغُل أولا، وقد غُلت الدولة في هذا الملف غلولا بينا، وتم التحايل عليها من طرف بعض وكلائها بدون وكالة؛ وذلك ظرف تشديد! وثانيا، أن يعيد إلينا مجتمع الصحابة رضوان الله عنهم. أو على الأقل مجتمع الرئيس المختار ولد داداه وزراء ومسؤولين وأئمة وقضاة وقادة عسكريين وشبابا كادحين: كالشيخين الجليلين الشهمين الوطنيين المنفقين الشيخ عبد الله خليفة أبيه الشيخ سيديَّ بابه ومؤسس معهد بوتلميت الأغر وأخيه الشيخ الفتى الجواد المنفق سليمان، أول من رفع راية موريتانيا في الأمم المتحدة وثالث رئيس لبرلمانها وأفنانَ دوحتهما الزهراء الزكية، وأبناء الشيخ ولد أحمد محمود، محمد وعبد الله، اللذين كانا مثالا في الاستقامة والصدق والنزاهة، وأبناء اباه، الدكتور عبد الله والإداري محمد، ومحمد سيديا (الزاهد الورع الذي انتقل إلى رحمة الله فقيرا رغم أنه كان لسنوات عديدة مفوض الأمن الغذائي CSA) وسيدي محمد الديين، الذي تولى حقيبتي التعليم والخارجية في تلك الحقبة، ومحمد ولد مولود ولد داداه الإداري العالم الورع الذي عاش فقيرا لا يملك سوى كرامته وكتبه وعلمه، ورفضه أيضا، ويوسف اكويتا رئيس البرلمان الأسبق والوزير صال عبد العزيز، رحمهم الله جميعا، والسيدة الأولى مريم داداه رحمها الله، دفينة البعلاتية، والوزيرة عيشة كان رحمها الله، ومحمذ ولد باباه أطال الله بقاءه، الذي ترك لأهله يوم العاشر يوليو 1978 مائة أوقية هي ما لديه رغم كونه وزير الدفاع، وحمدي ولد مكناس الذي سلم الانقلابيين طواعية شيكا معتبرا كان يحمله إلى الدولة، وابه ولد ان، وبوياؼي ولد عابدين، وحمود ولد أحمدو، ويحيى ولد منكوس، وأحمد بن محمد صالح، ومحمد الأمين ولد حامني، وهيبه ولد همدي، ومحمد عالي شريف، وبداه ولد البوصيري ومحمد سالم ولد عدود وعبد الله بن بيه، وبيه ولد السالك، وعبد الله السالم ولد يحظيه ولد عبد الودود، والقادة: الأمير أحمد ولد بوسيف، والأمير أحمد سالم ولد سيدي، ومحمد ولد ابه ولد عبد القادر، واسويدات ولد وداد، واببه جالو، وانينغ مصطفى وشباب الكادحين الثائرين عبد الله ولد إسماعيل، المصطفى ولد اعبيد الرحمن، الدكتور مصطفى سيدات، يَبّ ولد الشيخ البناني، الطالب محمد ولد لمرابط، يَبّ ولد البشير، لمرابط ولد إسلمو ولد محمد أحيد، سيدي محمد سميدع، وبدن ولد عابدين، وأحمدو ولد عبد القادر، وعبد القادر ولد حماد، وبا محمود، ومحمذ ولد باغا، ودافا بكاري، وبا عثمان.. وغيرهم، ومريم بنت لحويج، والسالكة بنت اسنيد، ونانسي اعبيد الرحمن، وكنبه سي، وربيعه بنت همدي، وفطري (عائشة با) وغيرهن رحم من توفين منهن ومد في عمر من بقين! فتلك بعض وجوه مجتمع موريتانيا الطاهرة الزكية آنذاك عامة، ومُدُنَ بوتلميت وتجؼجه وكيفه المجيدة خاصة، المجتمع الطيب الفاضل الذي أنجب وأفرز وطبع زعيما وطنيا فذا كفؤا نزيها كالمختار ولد داداه! لكنْ، أين نحن اليوم من ذلك العهد البطولي المجيد، وجلنا غارق حتى الركب في وحل الجمع والتحصيل؟!
{فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون}!
وهل يستقيم قياس مع وجود فارق؛ خاصة إذا كان الفارق كبيرا، وكبيرا جدا؟ أوَلا تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوه من الفجور؟ {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون}!
في الحلقة القادمة:
ثاني عشر: من عجائب وغرائب هذا الملف
جمعة, 2025/04/25 - 09:26