ندوة هيئة الدفاع عن الرئيس محمد ولد عبد العزيز

 

العرض الثاني  (1)

مع الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

بسم الله الرحمن الرحيم

عشر تهم بالفسـاد.. و"تحقيق انبثق مـن البرلمان ووصل

في النهاية إلى القضاء".. أم انقلاب ناعـم على الشرعية؟

{إن الذين جاءوا بالإفك عصبةٌ منكم لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خيرٌ لكم لكل امرئٍ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} النور، 11.

{إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} النور، 15.

من المفاهيم الفكرية الأساسية قولهم: "معرفة الأسباب معينة على التأويل".. و"الحكم على الشيء فرع عن تصوره"! لذلك نطرح - بادئ ذي بدء- سؤالين جوهريين هما: من هو الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي تتهمه النيابة بالفساد؟ وما هي حقيقة "التحقيق الذي انبثق من البرلمان ووصل في النهاية إلى القضاء" حسب ما ورد في ديباجتي الحكمين الصادرين في هذا الملف، وحسب تصريح رئيس الجمهورية لقناة فرنسا 24 بتاريخ 31 يوليو 2021؟

والجواب على هذين السؤالين هو مناط هذا العرض.

أولا: من هو الرئيس محمد ولد عبد العزيز المتهم بالفساد؟

 لم يكن الرئيس محمد ولد عبد العزيز، حسب ما استقر عنه في الذاكرة الجمعية الوطنية والدولية وفي الوجدان الشعبي، سياسيا نمطيا تحوم حوله الشبهات! ولو كان كذلك لَنَعِمَ بما نعم به معظم قادتنا وساستنا الحاليين من ترف وامتيازات في نظام خلفه! بل هو بطل قومي خاطر بحياته مرتين يومي 3 و6 أغسطس (2005، 2008) في سبيل عزة الوطن وانتشاله من دمارين وشيكين (وما يزال يخاطر بحياته حتى الآن، ويدفع ثمنا باهظا من أجل الهدف نفسه)! ولن ينسى الموريتانيون الشرفاء تلك الوضعية المزرية التي تردى فيها وطنهم آنذاك: أعزل بلا جيش، وخانع تتناهشه الولاءات الأجنبية، ومنهار اقتصاديا، وتنخره الصراعات الاتنية والشرائحية والقبلية والجهوية، وجاث على شفا جرف هار، وشعبه جائع وجاهل ومريض، يعيش نصفه في أحياء الصفيح القذرة المنسية.. حيث لا ماء، ولا كهرباء، ولا دواء، ولا غذاء، ولا تعليم.. إلى آخر ملامح تلك اللوحة المأساوية البائسة! بينما تطحنه وتنهبه ثلة من المفسدين المترفين، جاءت على الأخضر واليابس، وتعيش في أرغد عيش على حساب الجميع، ومن ثمرات عرق الجميع.. ويرفرف العلم الصهيوني القذر في سمائه الطاهرة!

وخلال عشريته الذهبية التي وصفوها إفكا بالسوداء، ورغم جميع التحديات التي واجهته والمؤامرات التي حيكت ضده، فقد أعاد تأسيس الدولة، وأنقذ الوطن، ووحد الأمة. وحرر موريتانيا من نير التبعية، وهزم الإرهاب، وبنى جيشا وطنيا قويا مسلحا تسليحا جيدا، وحمى الحوزة الترابية التي كانت نهبا لمن هب ودب، وأرسى القواعد العسكرية من لمريه إلى انجاڭو، وحقق المصالحة الوطنية فصلى صلاة الغائب في مدينة كيهيدي،على أرواح ضحايا البغي، وسوّى الإرث الإنساني، وأعاد المهجّرين إلى أرض الوطن مكرمين ومبجلين، وكرس محاربة العبودية في نص الدستور ومهرها بقوانين ومحاكم، وأصلح منظومة الحالة المدنية التي كانت سدى، وطبع المصحف الموريتاني، وأعاد الاعتبار للأئمة والعلماء المضطهدين المشردين، وفتح إذاعات وتلفزات القرآن العظيم، والمحظرة، والحديث الشريف، والآداب، والعلوم، وسن مهرجانات المدن القديمة السنوية، وشيد المستشفيات، والجامعات، ومدارس التكوين العليا والدنيا،  والمدارس الابتدائية، والإعداديات، والثانويات، ومدارس الامتياز المدنية والعسكرية، وعبّد الطرق، وفجّر الينابيع (آفطوط الساحلي، وآفطوط الشرقي، فم لگليته، والظهر، وبو احشيشة.. وغيرها) وشيد محطات الكهرباء فطلعت شموسها في كل مكان، وبنى المدن والمطارات والموانئ، وأنهى معاناة وهوان سكان أحياء الصفيح؛ فوزع عليهم القطع الأرضية المستصلحة، وزود أحياءهم بالماء والكهرباء، وزرع فيها المدارس والمستوصفات، وفتح فيها متاجر الأمل المخفضة الأسعار؛ وشق القنوات (قناة كرمسين 50 كيلو مترا في الصحراء) وأقام السدود (وادي سگليل مثلا) وطوّر الزراعة (لحد الاكتفاء الذاتي من الأرز) ونمّى المواشي، ونشر مزارع التهجين، وأصلح الصيد، وجدد النشيد الوطني والعلم فتناغما مع نهضتنا الجديدة، ونظم وترأس مؤتمرات قمم العرب وإفريقيا، وقاد الوساطات الناجحة، ورفع ذكر موريتانيا بين الأمم .. إلخ.

وما كان ليتسنى لهذا القائد الفذ أن يحقق ما لم يتسن تحقيقه لغيره، وفي زمن وجيز جدا، لولا وطنيته وشجاعته وصدقه وصرامته وإرادته الفولاذية، والحربُ التي شنّ وقاد بنجاح ضد الفساد والمفسدين!

فمن سن قوانين الشفافية ومحاربة الفساد التي يرائي بها المفسدون اليوم "قميصَ عثمان" دون أن يفقهوا منها أو يطبقوا حرفا؟.. ومن أنشأ محاكم الفساد المعطلة؟ ومن صان الحريات وألغى عقوبة الحبس من قانون الصحافة؟ ومن عدَّل الدستور ليكرس في مادته الثانية التداول السلمي للسلطة وتجريم الانقلاب؟ ومن أعطى المَثَل الأعلى في احترام الدستور، وبِرِّ اليمين، وتكريس مُدَدِ المأموريات، فتنازل طواعية عن السلطة، غيره؟ ومن نظم انتخابات عادلة وشفافة سَلَّمَ في أعقابها مقاليد السلطة للرئيس المنتخب في عرس ديمقراطي مشهود هلل له العالم باعتباره برهانا قاطعا على وعي وحكمة وشموخ موريتانيا؟

تلك بعض صفات القائد الذي تتهمه النيابة بالفساد، وتلك بعض مواصفات "عشريته" الغراءِ التي وصفها خلفاؤه من بعده بـ"عشرية الفساد" و"العشرية السوداء" ناسين - أو متناسين- أنها خلقتهم من عدم، وأنهم كانوا جزء أساسيا منها!

وقد شهدت له ولعشريته بالخير يوم الزينة (فاتح أغسطس 2019) مستفيضة وُثِّقت شهاداتها بالصوت والصورة في سِفْر التاريخ، من بينها - مثلا لا حصرا - فخامة رئيس الجمهورية الحالي محمد ولد الشيخ محمد أحمد، ورئيس المجلس الدستوري الحالي ﭼالو أمدو باتيا، والوزير الأول الحالي المختار ولد اﭼّاي، بدءًا برئيس الجمهورية الذي قال بتأثر بالغ في خطاب تنصيبه أمام الملأ المحتشد في قصر المؤتمرات الجديد:

"كما أن السياق التاريخي لهذه اللحظة يستوجب مني أن أسجل، نيابة عن الشعب الموريتاني، وأصالة عن نفسي، شهادة للتاريخ في حق أخي وصديقي فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي ستحفظ له الذاكرة الجمعية الوطنية ما حقق للبلاد من إنجازات تنموية شاهدة، ومن مكاسب سياسية وديموقراطية رائدة؛ فقد شكلت - بحق- فترة قيادته لبلدنا نقلة نوعية في معركة النماء والاستقرار، بالنظر إلى ما حقق فيها من إنجازات بنيوية عملاقة، وما اختتمها به من احترام للدستور وعبور بوطننا الغالي إلى بر الأمان. فله منا جميعا التهنئة الخاصة والشكر المستحق"! (من خطاب التنصيب بالصوت والصورة).

وقد عزز فخامة رئيس الجمهورية هذه الشهادة بأخريات أدى إحداها أمام المجتمع الدولي من فوق منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها المنعقدة في سبتمبر 2019 حيث ألقى فخامته خطابه يوم 25/09/2019 (بعد 55 يوما من تنصيبه) فأشاد بإنجازات العشرية التي كانت مثار فخر واعتزاز لديه؛  فباهى بها العالَمَ أجمع قائلا: "وعملا بمقتضى التزامنا بهذه الأهداف (أهداف التنمية المستديمة في أفق 2030 التي أطلقتها الدورة السبعون للجمعية العامة في سبتمبر 2015) اعتمدنا في الجمهورية الإسلامية الموريتانية محورية التنمية المستدامة في إستراتيجيتنا التنموية، وحققنا في هذا المجال إنجازات معتبرة" ذكرها وأحصاها واحدة تلو الأخرى!

         وقال السيد ﭼالو أمدو باتيا رئيس المجلس الدستوري في اليوم نفسه، وفي المكان نفسه، وبالصوت والصورة، في خطابه بجلسة المجلس الدستوري المنعقدة لإعلان تنصيب الرئيس المنتخب ما يلي:

         "السيد الرئيس عزيز، كما يلقبكم شعبكم تحببا، لقد سنحت لي الفرصة بأن أتعرف عليكم كأحد مساعديكم الأقربين لسنوات عديدة، وأستطيع أن أشهد، وأنا مُحَلّف، بأنكم كنتم دائما ثابتين على هذا الموقف. لقد كنتم دائما تقولون، وأستشهد بكلامكم:

ما يهم ليس شخصي، فأنا لست خالدا، وسأغادر السلطة يوما ما بطريقة أو بأخرى، وما يهم هو موريتانيا التي أردناها سنة 2005 ودافعنا عنها بأرواحنا: موريتانيا مستقلة، ذات سيادة، ديمقراطية، وتعتمد على نفسها في أمنها وتنميتها؛ فهي المشروع الذي أحمل، وهي التي ستبقى بغض النظر عمن يحكمها.

ولقد لزمتم كلمتكم ووفيتم بعهدكم. وبهذا التصرف رسختم التناوب الديمقراطي في بلدنا. وأنا واثق من أن من سيخلفونكم لن يفكروا في التراجع عن هذا المكسب العظيم لديمقراطيتنا. وهكذا يكتب تاريخ الشعوب، وسيحفظ لكم التاريخ - السيد الرئيس- أنكم كتبتم فصلا رائعا في تاريخ الديمقراطية الموريتانية، كما لن تنسى الأمة الموريتانية لكم هذا الفضل. ولأجل كل هذا، ولأجل كل ما فعلتم لبلادنا في السنوات العشر الأخيرة: شكرا السيد الرئيس".

وقال الوزير الأول الحالي المختار ولد اﭼّاي:

"فخامة رئيس الجمهورية الأخ محمد ولد عبد العزيز عملنا معه - كما تعلمون- فترة طويلة، وهو شخصية فريدة في الحقيقة. سأكتفي – جوابا على طلبكم- بمسائل أساسية أنتقيها إذا كان لا بد من الانتقاء.

أول شيء تتميز به هذه الشخصية هو قدرتها على الفصل بين المسائل المهنية الوطنية والمسائل الشخصية، وكنت من الشاهدين على ذلك لصعوبة القطاع الذي أنا فيه وصعوبة المشكلات التي اعترضتنا طيلة هذه السنوات؛ ففي نظر فخامة رئيس الجمهورية الموجود هو موريتانيا، هو الوطن، هو المصلحة العامة، والمسائل الشخصية لا تدخل في هذا نهائيا، تحت أي ظرف. وأَثْبَتَ طيلة هذه السنوات أن هذه قناعته وليس متظاهرا بها. أتذكر في هذا الميدان كلمة يقولها دائما، أن قريبه هو وصاحبه ومن تعشى معه البارحة أو قضى معه نهاية الأسبوع فليدفع ضرائبه ويف بالتزاماته لتكون العلاقة صحيحة، وما عدا ذلك لا يدخل في هذا. إذن فهذه السمات الأساسية التي تتميز بها هذه الشخصية؛ وخصوصا الاستمرارية فيها. لم يتغير هذا التوجه تحت أي ظرف.

المسألة الثانية التي تحضرني، وفيها أيضا قدر من الثبات هو الذي يجعلها مميزة، هي ارتباطه بسيادة البلد. السيادة مسألة أساسية لديه تأتي قبل كل شيء. وله مواقف متعددة أتيحت لي فرصة شهودها، أن مسائل نراها نحن على الأمد القصير ربما كانت مضرة بمصلحة البلد أو مواقف ربما كان التنازل عنها أو التغاضي عنها في مصلحة ما.. هو يضع سيادة الوطن قبل كل شيء وما سواها ثانوي. هذه ميزة أساسية له. ولدي أمثلة كثيرة، بعضها لا ينبغي ذكره في هذا المقام، لكني أذكر ما قد يكون أبسطها وإن كان معبرا.

في القمة العربية الأخيرة في تونس، فور هبوط طائرة فخامة رئيس الجمهورية عزف له النشيد الوطني، وكان العزف مغايرا للنشيد الوطني بتحوير خفيف، وبالرغم من المقام احتج رئيس الجمهورية ولم يتحمل ذلك وطلب عزف النشيد الوطني الصحيح. (وعُزِفَ).

من الأمور الأساسية عندي التي تذكر في مقام كهذا حجم طموح الرئيس للبلد؛ فهو يرى مشاريع كبيرة لا نراها نحن بالمعطيات التي أمامنا، لكنّ لديه طموحا كبيرا لهذا البلد وشجاعة في اتخاذ القرار. وكثيرا ما نتخذ القرارات، لكن مسائل الدول خصوصا تأتي ظروف يصعب اتخاذ قرارات بشأنها بالنظر إلى الإيجابيات والسلبيات والوقت الضائع. فخامة رئيس الجمهورية، بعد التشاور وما إليه، له قدرة نادرة في الحقيقة على اتخاذ القرار، وتحمل مسؤوليته، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه.

مسالة أخيرة.. هذا الرئيس الذي كنت أحدثكم عنه لا يوازي صرامته وحسمه وشجاعته في مسائل أخرى إلا ضعفه حين يتعلق الأمر بظلم أحد! يظل قويا وتظل الإجراءات مستمرة حتى يَفْهَم أو يُفَهَّم أن فيها غموضا أو ظلما أو ما إلى ذلك. هنا يوقف كل شيء إلى أن يتضح الأمر. لا يمكن أن يقدم على أمر يشك في انطوائه على ظلم أو غموض مهما كان موقفه منه. هذه مسألة غائبة عن الناس.

وهو ضعيف أمام الحالات الإنسانية. إذا أخبرته بأن أحد معاونيك مريض، أو أن كذا في وضعية صعبة، أو كذا فقد.. فإن رجل الدولة هذا الذي يحرص على الصرامة يصير شخصا آخر لا يفهمه إلا من يعرفه.

هذا ما يحضرني بسرعة عن شخصية هذا الرجل الذي أوقن أن من لا يعرفه سيعرفه ويعلم أنه رجل على المستوى الوطني وعلى المستوى المهني، لكنه أيضا رجل على المستوى الإنساني". (شهادة موثقة بالصوت والصورة للتلفزة الوطنية).

فبعد هذه النبذة، كيف لمن كانت هذه صفاته، وهذه سيرته، وهذا عمله خدمة لشعبه ووطنه ودولته، ومن هو مبرز عند شعبه، ومن هؤلاء بعض شهوده، أن تتهمه النيابة بالفساد؟

وخاصة إذا كان قولها مجردا "من أصل أو عرف بحق يشهد" لها! وكان من تتهمه بالباطل قد تحدى الجميع، دون استثناء، وعلى رؤوس الأشهاد، أن يأتوا بدليل واحد على ما اتهم به! فعجزوا! ثم أن لا مفتشية الدولة تدعي أخذه أوقية واحدة من المال العام. ولا محكمة الحسابات ذكرت أي اختلاس أو سوء تسيير له به أدنى صلة.. ولا لجنة الشفافية أعلنت وجود زيادة في ذمته المالية، وهي وحدها المخولة ذلك عملا بالمادة 12 من قانون الشفافية! ولا توجد مؤسسة أو هيئة أو إدارة أو جهة - حكومية أو غير حكومية- تذكره بسوء أو تشكوه! ولا النيابة استطاعت أن تأتي ببينة على أي شيء مما تدعي عليه ظلما وبهتانا! وقد قال رسولنا ومشرعنا الأعظم: «البينة على المدعي»! ويقول القرافي: "صُدِّقَ مُدّعي الأشبهِ"! وهو ما سار سير المثل.

يتواصل