ندوة هيئة الدفاع عن الرئيس محمد ولد عبد العزيز

العرض الثاني (4)
مع الأستاذ محمدٌ ولد إشدو
4. الانقلاب على البرلمان.
وشُكلت "لجنة التحقيق البرلمانية" بموجب قرار مخالف للدستور رقمه 01/2020 صدر بتاريخ 30 يناير 2020 وضمت تسعة أعضاء ينتمون إلى الحزب الحاكم – تيار المرجعية، وتواصل، والاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، وأحرارا، وكانت أغلبية أعضائها إما ممن لديهم سوابق تتعلق بقضايا فساد ما تزال ملفاتها منشورة أمام القضاء، أو من لديهم خصومة مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز بسبب عدم ترشيد المال العام!
ومع ذلك، ورغم ما بذلت من جهود، وما أنفقت من مال، وما قامت به من تهديد وابتزاز، فقد فشلت لجنة تحقيق النائب احبيب ولد اجاه فشلا ذريعا في العثور على أي فعل من شأنه أن يشكل "خيانة عظمى" تعهد محكمة العدل السامية التي راهنوا عليها قبلُ! وعندها لم يبق في أيديهم إلا التزوير والغش والانقلاب على البرلمان!
وإليكم القصة كاملة:
في يوم الاثنين 27 يوليو 2020 وصل تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" إلى مكتب رئيس البرلمان الشيخ أحمد بايه.
ويحدثنا بيان "مؤتمر الرؤساء" (رؤساء اللجان البرلمانية الخمس) الصادر في اليوم نفسه، الذي تلته مقررة المؤتمر النائب مسعودة بنت بحام يوم الثلاثاء 28/7/2020 في اجتماع الجمعية الوطنية/ البرلمان المقرر على أساس ذلك البيان لمناقشة جزء من تقرير لجنة التحقيق البرلمانية بما يلي: "اجتمع مؤتمر الرؤساء يوم الاثنين 27/7/2020 تحت رئاسة السيد الشيخ أحمد بايه رئيس الجمعية الوطنية، وخلال هذا الاجتماع اطلع مؤتمر الرؤساء على تقرير لجنة التحقيق البرلمانية. بعد أن تداول السادة الرؤساء حول الموضوع انقسمت آراؤهم بين من يرى عدم إمكانية مناقشة التقرير في هذه الدورة البرلمانية الجارية بسبب أحكام المادة 20 من القانون النظامي رقم 021/008 بتاريخ 30 إبريل 2008 المتعلق بمحكمة العدل السامية، التي تنص على أن قضاة هذه المحكمة وأخلافهم لا يشاركون في جلسات النقاش والتصويت المتعلقة بالاتهام، وأن المحكمة لم تتشكل بعد، ولم يعرف من هم القضاة. وبين من لا يرون مانعا قانونيا يدعو لتأجيل النقاش (أي من لا يؤمنون بالقانون أصلا). وقد قرر مؤتمر الرؤساء تشكيل لجنة من الرؤساء بهدف استشارة خبراء قانونيين حول الموضوع (كيف وعلى أي أساس قانوني؟!) وتتشكل اللجنة من السادة: النائب احبيب ولد اجاه (رئيس "لجنة التحقيق البرلمانية") النائب عبد السلام ولد حرمه، النائب زينب بنت التقي. وقد استشارت اللجنة السادة: الدكتور محمد الأمين ولد داهي الدكتور لو غورمو عبدول، والدكتور سيدي محمد ولد سيد اب، والدكتور محمد محمود ولد محمد صالح.
وقد أفتى الخبراء الذين تمت استشارتهم بأن البرلمان سيد في تحديد جدول أعماله فيما عدا مشاريع ومقترحات القوانين؛ لذلك فإن نقاش تقرير لجنة التحقيق يمكن أن يتم في هذه الدورة إذا سمح الوقت المتبقي منها بذلك. كما يمكن نقاش جزء منه الآن وتأجيل الجزء الآخر لحين تشكيل محكمة العدل السامية. ومما يحتم اعتماد هذا الخيار أن المادة 35 الفقرة 2 من قانون الإجراءات الجنائية تفرض على أية جهة تحقيق اكتشفت اختلاسا أو تبديدا للمال العام أن تحيل الأمر إلى الادعاء العام لتحريك الدعوى ضد المعنيين؛ وهو ما يفرض على الجمعية الوطنية أن تحيل الملف في أسرع وقت ممكن.
وحتى إذا كان التقرير يشكل وحدة واحدة فليس هناك ما يمنع البرلمان من مناقشة المقتضيات المتعلقة بجرائم من اختصاص القضاء العادي، واتخاذ القرار المناسب فيما يخص الجرائم التي يمكن أن تندرج ضمن اختصاص محكمة العدل السامية. لذلك قرر مؤتمر الرؤساء أن يقترح على الجمعية الوطنية خلال الجلسة العلنية التي ستعقد يوم الثلاثاء 28/7/2020 عند الساعة العاشرة برمجة الجلسة العلنية المخصصة لمناقشة إجراءات التقرير التي تتضمن ما يمكن أن يدخل ضمن اختصاص محكمة العدل السامية يوم الثلاثاء 28 يوليو عند الساعة الرابعة". (خطوط التشديد منا).
ويستخلص من هذا البيان الواضح كل الوضوح:
-
أن مؤتمر الرؤساء خلال هذا الاجتماع اطلع على تقرير لجنة التحقيق البرلمانية. فانقسمت آراؤه بين من يرى عدم إمكانية مناقشة التقرير في هذه الدورة البرلمانية الجارية (التي لم يبق من عمرها سوى أربعة أيام بقوة المادة 52 من الدستور) بسبب تعارض ذلك مع أحكام المادة 20 من القانون النظامي رقم 021/008 بتاريخ 30 إبريل 2008 المتعلق بمحكمة العدل السامية، وبين من لا يرون مانعا قانونيا يدعو لتأجيل النقاش، وكأن المادة 20 من القانون النظامي رقم 021/008 ليست من القانون.
-
أن بعض أعضاء مؤتمر الرؤساء بقيادة النائب احبيب ولد اجاه مهندس الانقلاب الفاشل بالبرلمان، كانت لديهم تعليمات بأن يعملوا على إصدار شيء في تلك الدورة باسم البرلمان مهما كان نوعه، ليؤسس عليه مخطط الانقلاب أمام القضاء العادي المستباح الذي أفتى بجواز تدخله الستون (60) محاميا لما فشلت "لجنة التحقيق البرلمانية" في العثور على ما من شأنه أن يُعَهِّد القضاء الدستوري!
ولهذا الغرض اختلقوا مكيدة تعيين لجنة من الرؤساء بقيادة رئس "لجنة التحقيق البرلمانية" الدعية النائب احبيب ولد اجاه، وعضوية النائبين عبد السلام ولد حرمة، وزينب بنت التقي، لتستشير خبراء قانونيين حول الموضوع! وجاء في بيان مؤتمر الرؤساء أن اللجنة استشارت السادة: الدكتور محمد الأمين ولد داهي، الدكتور لو غورمو عبدول، الدكتور سيدي محمد ولد سيد اب، والدكتور محمد محمود ولد محمد صالح. وأنهم أفتوا برأي تبناه المؤتمر وعمل به، ملخصه: أن نقاش تقرير لجنة التحقيق يمكن أن يتم في هذه الدورة، كما يمكن نقاش جزء منه الآن وتأجيل الجزء الآخر لحين تشكيل محكمة العدل السامية. وأن اعتماد خيار تجزئة التقرير يحتمه كون المادة 35 الفقرة 2 من قانون الإجراءات الجنائية تفرض على أية جهة تحقيق اكتشفت اختلاسا أو تبديدا للمال العام أن تحيل الأمر إلى الادعاء العام لتحريك الدعوى ضد المعنيين؛ وهو ما يفرض على الجمعية الوطنية أن تحيل الملف في أسرع وقت ممكن. (وهي مكيدة مختلقة أخرى هدفها تبرير تعجيل نقاش تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" المزعومة وإحالته إلى النيابة تلبية لرغبة المنقلبين.
وبهذه "الفتوى" المزعومة حقق النائب احبيب ولد اجّاه وفريقه ما كانوا يصبون إليه؛ وهو صدور شيء ما له صلة بتقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" فيما تبقى من الدورة البرلمانية، وإحالته كتقرير لـ"لجنة التحقيق البرلمانية" إلى النيابة!
ولكن هل جرت هذه الاستشارة فعلا؟ وهل أفتى السادة الدكاترة الأربعة بما ورد في بيان مؤتمر الرؤساء؟
هذا ما يجب وضع النقاط فيه على الحروف. فاحتمال أن تكون لجنة مؤتمر الرؤساء لم تستشر الدكاترة الأربعة أصلا، وارد فعلا؛ وذلك للأسباب التالية:
-
لقد نفى أحد الدكاترة صحة تلك الاستشارة لما أثارها الأستاذ الدكتور يعقوب ولد السيف في إحدى جلسات محكمة الأصل.
-
من المستحيل أن ينتدب مؤتمر الرؤساء - وهو أعلى هيئة في البرلمان- أربعة دكاترة يسكنون في مختلف أرجاء نواكشوط (إذا كانوا موجودين فيها ذلك اليوم أصلا) ويطلب منهم استشارة قانونية في موضوع دستوري شائك ومعقد، ويتسنى لهم تقديم استشارة مفصلة متفق عليها في اليوم نفسه، ويقرر مؤتمر الرؤساء في اليوم نفسه عقد جلسة عامة للجمعية الوطنية على أساسها في اليوم الموالي! اللهم إلا إذا تم ذلك في الكرى، أوعن طريق الهاتف، وبتصرف أيضا!
-
ومن المستحيل كذلك أن يشير أربعة دكاترة مجرّبين من بينهم محامون بما ورد في بيان مؤتمر الرؤساء؛ لثلاثة موانع هي:
-
أن الاستشارة القانونية يجب أن تكون مكتوبة، ويكون موضوعها محددا؛ خاصة إذا تعلقت بأمر دستوري جلل قد يتوقف عليه مصير أمة، كما حدث فعلا! ويجب أن يكون المستشار متخصصا في موضوع الاستشارة وليس طرفا، بينما لا يوجد من بين الأربعة إلا متخصص واحد في القانون الدستوري، واثنان منهم عضوان في فريق الستين (60) محاميا، ومستشاران لوزارة العدل، وقد نشرا استشارة قانونية لصالح الانقلاب تحمل اسميهما قبل ذلك بعشرة أيام؛ وتكون استشارته خلاصة دراسة وتحليل موضوعيين ومتأنيين للقواعد القانونية المعمول بها. إذ الاستشارة هي بيان حكم القانون في الواقعة المحددة وفق القواعد القانونية التي تحكمها.. إلخ. بينما في هذه الاستشارة المزعومة، لم نقف لها على رسم، ولم ندر ما هو موضوعها! أهو حرية البرلمان في تحديد جدول أعماله؟ أم إمكانية تجزئة تقرير لا يتجزأ؟ أم هي تتعلق بعدم إمكانية مناقشة تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" في الدورة البرلمانية الجارية بسبب أحكام المادة 20 من القانون النظامي رقم 021/008 بتاريخ 30 إبريل 2008 المتعلق بمحكمة العدل السامية؟ وهذه المادة لا تتعلق من قريب ولا بعيد بنقاش تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" لأنه لا وجود لها في الدستور ولا في القانون النظامي رقم 021/008؛ بل تتعلق بالمادتين 92 و93 من الباب الثامن من الدستور "حول محكمة العدل السامية" وتنص "على أن قضاة هذه المحكمة وأخلافهم لا يشاركون في جلسات النقاش والتصويت المتعلقة بالاتهام" (إذ لا يمكنهم الجمع بين صفتي الخصم والحكم) كما ورد في بيان مؤتمر الرؤساء؟ فهذه المسألة الجوهرية المتعلقة بأحكام المادة 21 المذكورة، وبمحكمة العدل السامية، تجاهلها مجلس الرؤساء تماما، وتجاهلها المستشارون، إن كانوا استشيروا حقا! ذلك أن مناط الإشكال فيها ليس نقاش تقرير لجنة تحقيق دعية من عدمه؛ بل "النقاش المفضي للتصويت على الاتهام" الوارد في الفقرة الثانية من المادة 93 من الدستور! (وإن كان النواب في نهاية مطاف ما فرض عليهم، لم يناقشوا تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، لأنهم لم يجدوه، ولم يتهموا أحدا! لأن للجلسة هدفا آخر، ولأن الأوامر التي أعطاهم الرئيس محمد ولد مولود تقتضي عدم الاتهام).
-
بطلان ما ذُكِر من ترتيبات المادة 35 من قانون الإجراءات الجنائية؛ إذ لا توجد فيها فقرة ثانية أصلا، ولا تنص على شيء مما قيل. وهذا نصها: "يمثل وكيل الجمهورية - شخصيا أو بواسطة أحد نوابه- النيابة العامة لدى محكمة الولاية ومحاكم الدرجة الأولى الواقعة في دائرة اختصاص محكمة الولاية"! ومن الغريب حقا أن يفتي أربعة دكاترة بالباطل!
-
استحالة أن يشيروا بتقسيم تقرير واحد إلى جزأين ما لم يتحققوا من إمكانية ذلك ويشرفوا كفنيين - أو يتأكدوا من إشراف فنيين غيرهم- على إجراء ذلك التقسيم، لصعوبة التمييز على غير أهل الخبرة! ولأهمية هذا العمل "المصيري" الفني!
أما إذا ثبت أن مؤتمر الرؤساء استشار الدكاترة الأربعة فعلا، وأنهم أشاروا عليه بالباطل، كما ذكر في بيانه، فإنهم يكونون قد ارتكبوا جريمة نكراء في حق الدولة والوطن، لا تقل خطورة عن جريمة نكران القانون المتمثلة في وأد المادة 93 من الدستور، و"تشريع" إنشاء "لجنة تحقيق برلمانية" تقليدا لما " يجري في الدول الأخرى"! حسب تعبير النائب احبيب ولد اجاه!
ولنا بعد أن وقفنا على تفاصيل خديعة "استشارة خبراء قانونيين" المضحكة المبكية من طرف لجنة "مؤتمر الرؤساء" الثلاثية، أن نعرف ما إذا كانت الجمعية الوطنية قد ناقشت تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" كاملا، أو مجزئا، وما ذا كان قرارها حوله؟
وسنتفاجأ عندما نعلم أن الجمعية الوطنية/ البرلمان لم تناقش تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" إطلاقا، ولم تتخذ حوله قرارا، ولم تتهم على أساسه أحدا كائنا من كان! خلافا لما تم ترويجه على جميع المستويات!
فكيف حدث ذلك، وماذا جرى إذن؟
يتواصل