ندوة هيئة الدفاع عن الرئيس محمد ولد عبد العزيز

 

العرض الثاني  (5)

مع الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

وقبل الرد على هذا السؤال سنلفت انتباه المتلقي الكريم إلى أنه من لطف الله بخلقه أن جعل من سننه استحالة وجود جريمة كاملة؛ إذ لابد أن يترك المجرم - مهما كان ذكاؤه ومهارته- أثرا ما لجريمته. وهذا ما حدث هنا بالضبط!

لقد اجتمعت الجمعية الوطنية/ البرلمان يوم الثلاثاء 28 يوليو 2020 برئاسة رئيسها الشيخ أحمد باية بناء على ما نص عليه بيان مؤتمر الرؤساء الذي تُلِيَ عليها في القاعة. لكنها بدل أن تناقش الجزء المتعلق "بإجراءات التقرير التي تتضمن ما يمكن أن يدخل ضمن اختصاص محكمة العدل السامية" حسب نص بيان مؤتمر الرؤساء؛ أعلن رئيسها السيد الشيخ أحمد بايه أنه تنفيذا لما جاء في بيان مؤتمر الرؤساء فإن الجلسة مخصصة لنقاش "المقتضيات المتعلقة بجرائم من اختصاص القضاء العادي"! فكيف تم ذلك التدليس الصارخ على مسامع وأمام أعين النواب؟ ولِمِ لم يرفع نائب واحد يده ليصحح هذا الخطأ الفادح؟ ألأنهم لم يسمعوا أو يفهموا البيان الذي تلي عليهم نهارا جهارا! أم إنهم كانوا جزءا من المؤامرة؟! نعم. لقد أراد المستشارون، وأراد مؤتمر الرؤساء ولجنته أن يجزأ التقرير، وأن يعرض أمام الجمعية الوطنية جزؤه المتعلق بـ "المقتضيات المتعلقة بجرائم من اختصاص القضاء العادي" ولكن ما ورد في بيانهم هو العكس!

والأغرب من ذلك كله هو أن الجمعية الوطنية/ البرلمان لم تناقش في جلستها تلك أيا من جزئي تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" الذي لا يتجزأ، ولم يجزأ حتى الآن. ولم يعرض أمامها إطلاقا حتى هذه اللحظة! وإنما تلا عليها – رغم احتجاج النواب ومطالبتهم بالحصول على التقرير كاملا مع ملحقاته، وبتأجيل الجلسة حتى يطلعوا على التقرير ويكون لهم رأي حوله– تلا عليهم نائبُ رئيس "لجنة التحقيق البرلمانية" ومقررها الأستاذ يحي ولد الوقف إحدى وخمسين (51) صفحة (من نحو ثمانمائة (800) صفحة) موقعة من طرفه وطرف رئيس اللجنة، ادعوا أنها ملخص التقرير! بينما حملت عنوان "تقرير الصياغة" وبعد انتهائه من قراءتها تدخل أربعة نواب؛ اثنان من اللجنة هما احبيب ولد اجاه وحمادي ولد اميم فباركا عملية السطو على البرلمان تلك! بينما تحدث الآخران انڭيدى عبد الرحمن، وحمادي سيد المختار خارج الموضوع! وعند هذه النقطة انقطع بث قناة البرلمانية الذي هو مصدر ما لدينا من وقائع هذه الجلسة. وذلك لأن الجلسة تم رفعها! لكن من المؤكد أن الجمعية الوطنية/ البرلمان لم تتهم أحدا على أساس الإحدى والخمسين (51) صفحة التي قرئت على النواب! بينما كان ما أرسل إلى وزارة العدل هو التقرير كله بأجزائه الثلاثة: " تقارير لجنة التحقيق البرلمانية، وهي: تقرير الصياغة – تقرير التحقيق والتدقيق القانوني والمالي المعد من طرف مكاتب الخبرة المنتدبة – تقرير التدقيق القانوني والمالي المعد من طرف خبراء محكمة الحسابات"؛ حسب ما ذكره وكيل الجمهورية في تكليفه الموجه إلى مدير إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية. وعليه فقد تم حجب هذه التقارير الثلاثة عن النواب الذين انتدبوا تلك اللجنة، والذين طالبوا بإلحاح في جلسة الجمعية الوطنية/ البرلمان المنعقدة يوم 28/7/2020 بالحصول عليها، فرفضت طلباتهم بحزم وعزم من طرف القائمين على مؤتمر الرؤساء!

ولدينا لائحتان، إحداهما بأسماء النواب الذين طالبوا بإلحاح شديد بتمكينهم من الاطلاع على تقرير لجنة التحقيق البرلمانية تلك ونددوا بحجبه عن الجمعية الوطنية/ البرلمان. والأخرى بأسماء أعضاء مؤتمر الرؤساء الذين قادوا ونفذوا عملية الانقلاب على البرلمان، فمنعوا النواب من الاطلاع على تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" ومن إجراء تصويت على الاتهام، وأحالوا التقرير من وراء ظهر الجمعية الوطنية/ البرلمان إلى وزير العدل ليكون "طعما" وذريعة للانقلاب!

اللائحة الأولى: النانه بنت شيخنا، شيخان، سعداني بنت خيطوره، كاچـاتا مالك چـالّو، العيد ولد محمدن، نائب لم يذكر الرئيس اسمه، ومحمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل. وهذا النائب الأخير حاول سبع (7) مرات الحصول على الكلام دون جدوى، ليعبر عن حقيقة تم وأدها هي الأخرى. وفي الأخير انفجر دون أن يسمح له بالكلام، فقال: "السيد الرئيس، توجد نقطة في الفرق بين التقرير وقرار الاتهام لم تطالعوها، هي موجودة في القانون الذي بين أيديكم". وكان النائب المغبون على حق! (يمكن الاطلاع على مداخلات الجميع عبر الرابط التالي: https://youtu.be/Lj7dKI6fEqQ

كما يمكن أخذ مداخلة النائب النانه بنت شيخنا نموذجا لمداخلات أولئك النواب. وقد جاء في مداخلتها:

"أود القول إن البرلمان هو من فوض هذه اللجنة، وبتلك المناسبة فالعمل الذي قامت به ينبغي أن يعود إلى البرلمان؛ وهي ليست لجنة تدقيق، وإنما هي لجنة تحقيق، ويجب أن تلك الملحقات، وخاصة الجهات المعنية والمسؤولة عما عثر عليه من مخالفات يجب عرضها أمام البرلمان، ولا بد من اطلاعه عليها. لا يمكن أن يكتموه عن البرلمان ويدسوه عنه، ويقدموه إلى إدارة البرلمان التي ليست معنية به؛ بل المعني به هو البرلمان الذي فوضكم، فأنتم لديكم تفويض، وهذا يقضي برجوع عملكم إلينا جميعا، لا أن يخفى عنا منه شيء ولا عن الشعب الموريتاني الذي ينتظر هذه القضية بكل ترقب. هذا لا ينبغي".

اللائحة الثانية: رئيس الجمعية الوطنية/ البرلمان النائب الشيخ أحمد بايه، النائب احبيب ولد اجّاه، النائب محمد ولد مولود. وهؤلاء سنستعرض نماذج قليلة جدا من أدوارهم وأقوالهم الموجودة في الرابط فوق بالصوت والصورة:

  • الرئيس الشيخ أحمد بايه: يرجع له الفضل في تبني حيلة "استشارة الخبراء القانونيين" وتحريف قرار مؤتمر الرؤساء إلى نقيضه. وقد وقف للنواب المطالبين بالحصول على تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" بالمرصاد عبر عشرين (20) تدخلا بذل فيها ما لديه من قوة في مصادرة وتفنيد آراء النواب. وقد وعدهم بأنه سوف يوزع عليهم التقرير، ولم يفعل! وفرض ومرّر قراءة الإحدى والخمسين (51) صفحة بصفتها هي التقرير! ومع ذلك فقد أعرب، في خضم الفوضى الهدامة التي خلقها ورعاها مؤتمر الرؤساء برئاسته، خلال جلسة 28/7/2020 عن طموحه حول جودة عمل البرلمان، فقال: "نحن لم نرد التسرع. وقد اجتمعنا أمس ولم نتخذ قرارا. ونريد أن تكون القرارات التي تتخذها الجمعية الوطنية قرارات ذات وزن. ولا تكون كالوجبات السريعة ماكدونالد، وأن تراعي في قراراتها الجانب القانوني والقضايا كاملهَ. وهذا ما جعلنا نأخذ استشارة من أولئك القانونيين. وبعد أخذ استشارتهم اتخذنا هذا القرار؛ وهو أن نفتح التصويت حول الجانب الذي يحتمل أن يوجه إلى القضاء العادي، ونترك الآخر إلى ما بعد"! علما بأن قرار مؤتمر الرؤساء كان يقتضي خلاف ما ذكره الرئيس! وما خفي أعظم!

  • الرئيس احبيب ولد اجاه رئيس "لجنة التحقيق البرلمانية" ورئيس "لجنة استشارة الخبراء القانونيين" ومن جاء بتلك الاستشارة الغريبة! وقد تناول الكلام مرتين خلال الجلسة فقال في الأولى؛ وكانت قبل قراءة الملخص، وبهدف تبرير عدم عرض التقرير على الجمعية العامة للجمعية الوطنية: "شكرا السيد الرئيس.. مجرد توضيح، أقول إن التقرير ليس فيه ما هو سري، والملحقات ليس فيها ما هو سري. الملحقات جزء من التقرير، لكنها عبارة عن مئات الوثائق، منها ما هو مكتوب، وما هو مسموع، وفيها تقارير المكاتب التي كتبت في الجمعية الوطنية. إذن فهي توضيح للكيفية التي أُعِدَّ بها هذا. أما التقرير فهو الذي سيقرؤه المقرر عليكم (وهذا غير صحيح) وفيه جميع المعلومات التي تطلبونها، وليس ثمة ما هو مكتوم. الملحقات كلها طرحت عند الجمعية الوطنية ولا نكتمها". أما تدخله الثاني فكان بعد قراءة الملخص شكر فيه الجمعية الوطنية/ البرلمان على الثقة والتعاون، وتحدث عن طريقة عمل اللجنة فقال: "سيدي الرئيس نحن على مستوى اللجنة - كما قال المقرر من قبل- نشكركم، ونشكر أعضاء الجمعية الموقرة على الثقة التي منحونا، وأقول إن الصعوبة إنما هي في السير معا، وقد سرنا معا جميعا لله الحمد، واستطعنا الحفاظ على الإجماع؛ بحيث لم يثر أحد منا - أيا كان- شيئا إجرائيا إلا واستجيب له... وعلى العموم ليس هناك شيء نلاحظه سوى ما لقيناه من صعوبات؛ فلا يوجد قانون يحدد الإجراءات المطلوبة؛ ولذا ابتكرنا أمورا باستشارة قانونيين نظروا فيما يجري في الدول الأخرى، ونرجو أن يكون على المستوى".

وفي هذا القول اعتراف صريح من رئيس "لجنة التحقيق البرلمانية" بمسألتين جوهريتين:

الأولى أن لجنة التحقيق البرلمانية كانت تعمل خارج القانون!

والثانية أن "لجنة التحقيق البرلمانية" كانت مواكبة من طرف مستشارين قانونيين يزودونها باستشارات غير قانونية مقتبسة مما يجري في الدول الأخرى (الستون (60) محاميا)!

  • الرئيس محمد ولد مولود. رئيس فريق برلماني معارض، ورئيس إحدى اللجان الدائمة ورئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض. وقد تناول الكلام عندما استنجد به رئيس الجمعية الوطنية/ البرلمان لإسكات أحد أعضاء فريقه وهو النائب العيد ولد محمدن، فقال: العيد عَبَّر عن وجهة نظره، لكنه لم يطعن في تمثيلي أنا للفريق. وجهات نظر النواب هنا مسموح بها، وهم أحرار فيها، وهذا النقاش الآن بين النواب، وكل منهم حر في وجهة نظره، لكننا في مؤتمر الرؤساء ناقشنا هذه الاعتبارات التي أثيرت هنا جميعا وتناولناها. فعلا لها وجاهة حقيقية، لكن ثمة اعتبارات أخرى أيضا تتعلق بأن هذه الجلسة تتجاوب مع ضرورة إعطاء قيمة لهذا التقرير وهذه اللجنة التي تعبت مدة ستة أشهر، فلا تنفضُّ الجمعية الوطنية وتذهب في إجازة مدتها شهران دون أن تتكلم في هذا العمل. إذن اتخذنا صيغة تمكننا من التجاوب مع ضرورة تثمين هذا العمل وتَناوُلِه بما يمكن، وطبعا لن يكون إلا بشكل موجز، وتجاوبا أيضا مع الرأي العام الذي ينتظر استجلاء حقيقة هذه القضية. هذه الاعتبارات التي تخصنا نحن كبرلمان، وتخص الرأي العام، جعلت من الضروري أن نناقش هذا التقرير، لكن في الحدود التي اقترحناها عليكم، والصيغة المثالية غير ممكنة في الحقيقة؛ نظرا لضيق الوقت، ونظرا أيضا للملحقات التي لا تنتهي، فإذا انتظرنا الاطلاع عليها سنمضي عدة شهور لكي نستطيع ذلك. منها ما هو مسجل، وما هو ورقي، وهو كثير.. إذن لا يمكن القول: لا، لن نناقش إلا بعد أن نطلع على هذا كله؛ فهذا يستغرق زمنا كثيرا. ما يمكن منها أن يحال إلى محكمة سامية لدينا الوقت له، ونستطيع الاطلاع عليه.. إلى غير ذلك. وما ينبغي أن يوجه إلى المحاكم فورا باعتبار نص قانوني على أن أي جهة اطلعت على مخالفات، جنح أو جرائم، فهي ملزمة بإحالتها فورا إلى القضاء. هذا أيضا يجعل الجمعية الوطنية لا يمكن أن تكون على علم بما جرى وتستمر في التكتم عليه إلى مضي شهرين أو ثلاثة، فهذا مخالف للقانون. هذه الاعتبارات جميعا وضعناها في الحسبان، واقترحنا الحل الوسط الذي استشرنا عليه خبراء قانونيين، في القانون الدستوري، وطبعا فإننا نحن هنا إذا أراد كل منا استشارة قانونية فلديه الحق في ذلك، ويمكن أن يكون مؤهلا لها، لكننا لن نخرج بشيء. إذن فمجلس الرؤساء قرر البارحة - نظرا لخلافاتنا نحن فيما بيننا- إسناد الأمر لأولئك الخبراء واعتبار ما سيصدر عنهم هو الحل، فاقترحوا هذا الحل.. أجازوا هذا الحل، وأنا أطلب منكم السماح لنا بالدخول في الموضوع. نسمع التقرير. يمكن أن نمنح النواب الليلة للاطلاع على هذا التقرير الذي بين أيديهم. هذا جزء من التقرير. وغدا نبدأ النقاش العام. وأنا أرى أن من غير الوارد في هذه الجلسة تناول القضايا الخاصة؛ فلان فعل كذا، وفلان فعل كذا.. هذا ليس من صلاحياتنا ولا يليق بنا. فينبغي أن ننظر في الاعتبارات الأساسية؛ أما الاتهامات الخاصة بالأفراد والجهات فندعها للقضاء وندعها لما ستوجه إليه".

          ومن هذه المداخلة الصريحة نستطيع أن نستنتج ما يلي:

  • أن "مؤتمر الرؤساء" قد أحل نفسه محل الجمعية الوطنية/ البرلمان، فصادر صلاحيات النواب لنفسه، وأصبح يفكر نيابة عنهم، ويتخذ القرارات باسمهم، وينفذها رغما عنهم.

  • أن الهدف المعلن من عقد جلسة مناقشة تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" هو "ضرورة إعطاء قيمة لهذا التقرير وهذه اللجنة التي تعبت مدة ستة أشهر، فلا تنفضُّ الجمعية الوطنية وتذهب في إجازة مدتها شهران دون أن تتكلم في هذا العمل". (الذي هو في الواقع صفر). وعلى الدستور والقانون والحق العفاء! أما الهدف الحقيقي الخفي فهو حجب التقرير الفارغ عن النواب وطلسمته، وإحالته باسمهم، ومن وراء ظهورهم، إلى العدالة ليكون ذريعة للانقلاب المدبر! 

  • أن الرئيس محمد ولد مولود هو منظر عدم عرض تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" أمام النواب وعدم نقاشه من طرفهم. وذلك بحجة التجاوب "مع ضرورة تثمين هذا العمل وتَناوُلِه بما يمكن، وطبعا لن يكون إلا بشكل موجز، وتجاوبا أيضا مع الرأي العام (الحملة الدعائية المغرضة ضد الرئيس السابق وعشريته) الذي ينتظر استجلاء حقيقة هذه القضية". وهو من قال أيضا بأن الصيغة المثالية (أي عرض التقرير ونقاشه والتصويت بالاتهام أو عدمه) غير ممكنة تذرعا بضيق الوقت وكثرة ملحقات التقرير التي لا تنتهي ويتطلب الاطلاع عليها عدة أشهر! وهو كذلك أبو الامتناع عن التصويت من خلال ما في التقرير على الاتهام أو عدمه: "وأنا أرى أن من غير الوارد في هذه الجلسة تناول القضايا الخاصة؛ فلان فعل كذا، وفلان فعل كذا.. هذا ليس من صلاحياتنا ولا يليق بنا. فينبغي أن ننظر في الاعتبارات الأساسية؛ أما الاتهامات الخاصة بالأفراد والجهات فندعها للقضاء وندعها لما ستوجه إليه".

وقد ظل التحالف وثيقا بين المفسدين وأحزاب المعارضة خلال جميع مراحل هذا الانقلاب! لكن هل لنا أن نتساءل أين نواب الأغلبية الذين قاد الرئيس محمد ولد عبد العزيز شخصيا الحملة لإنجاحهم؟ وأين 102 نائب الذين وقعوا ملتمسا يطالبونه فيه بإلحاح القيام بتعديل الدستور والترشح لمأمورية ثالثة؟

ومن حق الجميع في نهاية هذا المطاف أن يتساءل طبعا عن مصير تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية"؟ وذلك ما سنعرفه الآن من خلال تتبعنا للمرحلتين التاليتين:

يتواصل